اسم الکتاب : حقيقة العبودية المؤلف : مجدي الهلالي الجزء : 1 صفحة : 3
معنى العبودية
كرَّم الله عز وجل الإنسان تكريمًا عظيمًا، وفضله على كثير من خلقه {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70].
هذا التكريم العظيم للإنسان يعكس مدى حب الله عز وجل له، ومنزلته عنده.
ولقد علمت الملائكة بهذه المنزلة فجعلت جزءًا من عبادتها: دعاءها واستغفارها للناس، وهي بذلك تريد التقرب إلى الله - سبحانه - وتطمع في نيل رضاه {وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} [الشورى: 5].
ويزداد دعاؤهم واستغفارهم لمن لهم مكانة خاصة عنده - سبحانه - من البشر المؤمنين لعلمهم بحب الله لهم: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ* رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [غافر: 7 - 9].
الجنة تنتظرك:
ومن أعظم الدلائل التي تؤكد على المنزلة الخاصة للبشر عند الله: إعداده - سبحانه - الجنة لتكون لهم دارًا أبدية .. يقيمون فيها إقامة دائمة بلا تعب ولا نصب ولا تكاليف يؤدونها .. بل نعيم مقيم لا يحول ولا يزول {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزخرف: 71].
ولقد جعل سبحانه دخول هذه الجنة مرتبطًا بالنجاح في اختبار يُعقد على ظهر الأرض لجميع البشر ..
جوهر هذا الاختبار: عبادته سبحانه بالغيب، والقيام بحقوق العبودية له: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21].
أحب الخلق إلى الله:
يلاحظ المتدبر لآيات القرآن أن الله عز وجل عندما يمتدح أحداً من رسله وأنبيائه، فإنه سبحانه يصفه بوصف العبودية، كقوله تعالى عن نبيه داود: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص:17].
وقوله تعالى عن سليمان: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص:30].
وقد تكرر وصف رسولنا صلى الله عليه وسلم بهذه الصفة {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا} [الإسراء:[1]].
{وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدً} [الجن: 19]
معنى ذلك أن العبودية هي الصفة التي يحب الله عز وجل أن تتمثل في الإنسان: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ} [ص:45 - 47].
فأحب الخلق إليه - سبحانه - أكثرهم عبودية له.
جوهر العبودية:
العبد عكس الحر وهو المملوك لسيده، وأصل العبودية: الخضوع والتذلل [1] فالطريق «مُعَبَّد» إذا كان مذللا بكثرة الوطء [2].
فالعبودية إذن صفة ينبغي أن يعيش المرء حقيقتها، وأن تُظهرها صورة تعامله مع ربه من ذل وانكسار وخضوع وافتقار، وطاعة وهيبة وإجلال، وتعلق تام به، وفوق هذا كله: حبٌ عظيمٌ له ..
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " فمن خضع لإنسان مع بغض له لا يكون عابداً له، ولو أحب شيئا ولم يخضع له لم يكن له عابدًا" [3]. [1] لسان العرب لابن منظور (3:271) - دار صادر بيروت. [2] المصدر السابق. [3] العبودية لابن تيمية، ص (34) - مكتبة دار الأصالة - الإسماعيلية - مصر.
اسم الکتاب : حقيقة العبودية المؤلف : مجدي الهلالي الجزء : 1 صفحة : 3