responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : عودة الروح ويقظة الإيمان المؤلف : مجدي الهلالي    الجزء : 1  صفحة : 12
كيف نستجلب الإمداد الإلهي؟
الإنسان مخلوق عاجز وفقير فقرًا ذاتيًا ومطلقًا، لا يملك مقومات تسيير شئونه بنفسه، بل يحتاج إلى ربه وإلي إمداداته المتوالية لترجمة اختياراته وإقامة حياته .. هذه هي الحقيقة .. ليبقى السؤال عن كيفية استجلاب هذه الإمدادات؟
الإجابة عن هذا السؤال أجملها الحديث القدسي: «يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم. يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم. يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم» [1].
(فاستهدوني .. فاستكسوني .. فاستطعموني) كلها كلمات تدل على تمكن الرغبة ممن يطلبها.
ومما تجدر الإشارة إليه أن التاء في هذه الكلمات -كما يقول أهل اللغة- للطلب، بمعني أنكم إذا أردتم الهداية أو الطعام أو الكسوة فاطلبوها من الله، فعلى قدر عزمكم وحرصكم على تحصيلها يكون إمداد ربكم إليكم .. فالإمداد على قدر الاستعداد.

ما هو العزم؟
فإن قلت: ولكن ما هو العزم؟! هل هو كل ما يفكر فيه الإنسان ويُحدِّث به نفسه؟
أجاب العلماء عن هذه الأسئلة وقالوا بأن ما يدور داخل الإنسان إما أن يكون هاجسًا، أو خاطرًا، أو حديث نفس، أو همّا، أو عزمًا.
فالهاجس هو بداية التفكير بصورة عامة، فإذا اتجه التفكير إلى شيء بعينه سُمّي: (خاطرًا)، فإذا قلَّب الإنسان فكره في هذا الشيء من داخله وباطنه سُمّي (حديث نفس)، فإذا تحركت إرادة الإنسان إلى فعل شيء ما سمي: (همّا)، لأن الهم هو ترجيح قصد الفعل بأن يميل إلى الشيء ولا يصمم على فعله. والهاجس والخاطر وحديث النفس لا إثم على صاحبه ما لم يتحدث أو يعمل به كما في الحديث «إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تكلم أو تعمل» [2].
(والهمّ) يماثل الثلاثة السابقة في رفع الإثم والمسئولية عن صاحبه ما لم يقل أو يعمل، ويفوقها في إثبات الثواب لصاحبه كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم: «إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك، فمن (هَمّ) بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن (همّ) بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة».
أما (العزم) فهو فوق (الهم)، وهو أعلى مراتب القصد، وهو العقد القلبي الذي يتقرر على أساسه القول والعمل، لذلك كان (العزم) أول درجات المسئولية قبل القول والعمل، ويترتب عليه الثواب والعقاب [3].
أي أن العزم هو الحرص والتصميم الجازم على فعل شيء ما.
وقد سُئل سفيان الثوري: أيؤاخذ العبد (بالهمة)، قال: إذا كانت عزما أُوخِذ [4].
والنية: هي القصد، أي عزم القلب على أمر من الأمور .. وعلى ذلك فهي أقرب لمعني العزم، لذلك كان من شروط التوبة النصوح: العزم، أي التصميم الجازم أن لا يعود إلى فعل المعصية التي ارتكبها.

أولوا العزم:
إذن فالمطلوب من العبد العزم والإصرار على فعل الخير ليكون المدد من الله عز وجل على قدر هذا العزم، ويتفاوت العزم من شخص لآخر، ولقد وصل نفر قليل من البشر لأعلى درجات العزم على فعل ما يرضي الله عز وجل من الاستقامة على أمره، ودعوة الخلق إليه، مع الاستعداد لتحمل أشد الصعوبات وأقسى الآلام في سبيل ذلك، وهؤلاء هم الذين سماهم الله عز وجل «أولوا العزم من الرسل» وهم: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد عليهم الصلاة والسلام. قال تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف:35]. فالإمداد على قدر الاستعداد .. تأمل قوله تعالى عن إبراهيم عليه السلام {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} [الأنبياء:51].

[1] رواه مسلم.
[2] رواه البخاري ومسلم.
[3] في الفقه الإسلامي المعاصر د. عبد الستار فتح الله سعيد ص 33، 34، دار القلم، نقلا عن الموسوعة الفقهية مجلد 30 بحث العزم ص88.
[4] المصدر السابق.
اسم الکتاب : عودة الروح ويقظة الإيمان المؤلف : مجدي الهلالي    الجزء : 1  صفحة : 12
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست