responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب المؤلف : محمد نصر الدين محمد عويضة    الجزء : 1  صفحة : 14
كتاب الزهد
باب: حقيقة الدنيا وذم التنافس على الدنيا
- حقيقة الدنيا:

الدنيا دار سفر لا دار إقامة ودار ممرّ لا دار مقرّ، و دار عبور لا دار سرور، وأنت في الدنيا عُرْضَةُ الأَسْقَامِ وَرَهِينَةُ الأيامِ وأَسِير الْمَنَايَا وَقَرِينُ الرَّزَايَا وَصَرِيعُ الشَّهَوَاتِ وَنُصُب الآفاتِ وَخَلِيفَةُ الأَمْوَاتِ، لا يحرص على الدنيا لبيب، ولا يُسَرُّ بها أريب، وهو على ثقة من فنائها، وغير طامع في بقائها، فكيف تنام عينُ من يخشى البيات وكيف تسكن نفس من تَوَقَّعَ في جميع أموره الممات.
واعلم أن الدُّنْيَا خُلِقَت لِتَجُوزَهَا لا لِتَحُوزَهَا، ولِتَعْبُرَها لا لِتَعْمُرها فاقْتُلْ هَوَاكَ الْمَائِلَ إِلَيْهَا ولا تُعَوّلْ عَلَيهَا، واعْلَمْ أَنَّ الدُنْيَا مَزْرعةُ النَّوائِبِ ومَشْرَعَةُ المَصَائِبِ ومُفَرّقَةُ المَجَامِعِ ومُجْرِيَةُ المَدَامِعْ.
فلا تَغُرَّنكم الحياة الدنيا فإنها دارٌ بِالبَلاءِ مَحْفُوفَة، وَبِالفَنَاءِ مَعْرُوفَة، وَبِالغَدْرِ مَوْصُوفَة، وَكُلُّ مَا فِيهَا إِلَى زَوَالٍ وَهِيَ بَيْنَ أَهْلِهَا دُوَلٌ وَسِجَال.
لا تَدُومُ أَحْوَالُهَا، وَلا تَسْلَمُ مِنْ شَرِّهَا نُزَّالُهَا، بَيْنَا أَهْلُهَا فِي صَفِاءٍ وَرَخَاءِ إِذَا هُمْ مِنْهَا في كدرٍ و بَلاءٍ، وبينا هم في َسُرُورٍ وَحَبُور إِذَا هُمْ مِنْهَا فِي نَكَدٍ وَغُرُور، العَيْشُ فِيهَا مَذْمُوم وعِزُها لا يَدُوم وفناؤها محتوم.
بَقَاؤُهَا قَلِيلٌ، وَعَزِيزُهَا ذَلِيل وَغَنِّيها فَقِير، َحَيُّهَا يَمُوت وودُّها يفوت، فلا يغرنَّك إِقْبَالُهَا فسريعٌ إِدْبَارِهَا.
والدنيا ظلٍ زائلٍ وخيال حائر إن أضحكت قليلاً أبكت كثيرًا وإن سرت يومًا أساءت دهرًا، جمعها على انصداع ووصلها على انقطاع، لا تصفو لشارب ولا تبقي لصاحب.
وَمِقْدارُ اللُّبثِ في الدنيا قَلِيل، والحبسُ في القُبور طَوِيل، والعذابُ على مُوافَقَة الهَوى وبيل.
فأينَ لَذّةُ أَمْس؟! رَحَلَتْ وأَبْقَتْ نَدَمًا، وأينَ شَهْوةُ النفسِ؟ كم نَكَّسَتْ رَأْسًا، وَزَلَّتْ قَدَمًا، وما سَعِدَ مَن سَعِدَ إلا بِخِلاف هَواهُ، ولا شَقِيَ مَن شَقِيَ إلا بإيثار دُنياه، أهلها كلاب عاوية وسباع ضارية، يهر بعضها بَعْضًا، ويأكل عزيزها ذليلها، ويقهر كبيرها صغيرها.

اسم الکتاب : فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب المؤلف : محمد نصر الدين محمد عويضة    الجزء : 1  صفحة : 14
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست