وكما قال عمر بن عبد العزيز: "من عبد الله بغير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح"، وكما قال معاذ بن جبل: "العلم إمام العمل، والعمل تابعه"، وهذا ظاهر، فإن القصد والعمل إن لم يكن بعلم كان جهلًا وضلالًا واتباعًا للهوى، وهذا هو الفرق بين أهل الجاهلية وأهل الإسلام، فلا بد من العلم بالمعروف والمنكر والتمييز بينهما، ولا بد من العلم بحال المأمور والمنهي، ومن الصلاح أن يأتي بالأمر والصلاح بالصراط المستقيم، وهو أقرب الطرق إلى حصول المقصود.
ومن آداب المحتسب: تقليل العلائق: رُوي عن بعض المشايخ أنه كان له قط، وكان يأخذ له كل يوم من الجزار شيئًا لغذائه، فرأى على الجزار منكرًا فدخل الدار، وأخرج القط، ثم جاء واحتسب على الجزار، فقال الجزار: لا أعطيك بعد اليوم شيئًا للقط، فقال الشيخ: ما احتسبت عليك إلا بعد إخراج القط، وقطع الطمع منك، ويجب أن يلزم غلمانه وأعوانه بما التزمه من هذه الشروط، فإن أكثر ما تتطرق التهم إلى المحتسب من غلمانه وأعوانه، فإن علم أن أحدًا منهم أخذ رشوة أو قبل هدية؛ صرفه عنه لينفي عنه الظنون، وتنجلي عنه الشبهات، فإن ذلك أزيد لتوقيره وأتقى للطعن في دينه.
وليكن سمته الرفق ولين القول، وطلاقة الوجه وسهولة الأخلاق عند أمره الناس ونهيه، فإن ذلك أبلغ في استمالة القلوب وحصول المقصود، قال الله -تبارك وتعالى- لنبيه -صلى الله عليه وسل م-: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (آل عمران: 159).
ولأن الإغلاظ في الزجر ربما أغرى بالمعصية، والتعنيف بالموعظة ينفر القلوب. حُكي أن رجلًا دخل على المأمون فأمره بمعروف ونهاه عن منكر، وأغلظ له