بغضب قومه وحميتهم، وبنفور الناس إذا سمعوا أن محمدًا يقتل أصحابه؛ ولهذا لما خاطب الناس في قصة الإفك بما خاطبهم به، واعتذر منه، وقال له سعد بن معاذ قوله الذي أحسن فيه، حمي له سعد بن عبادة مع حسن إيمانه".
وقد بيّن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- قاعدة تدافع أو تعارض الحسنات والسيئات فقال -رحمه الله- في موضع آخر: "إن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح، وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وأنها ترجح خير الخيرين، وشر الشرين، وتحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، وتدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما، فقد أمر الله تعالى، ورسوله -صلى الله عليه وسلم- بأفعال واجبة ومستحبة.
وإن كان الواجب مستحبًّا وزيادة، ونهى عن أفعال محرمة أو مكروهة، والدين هو طاعة الله، وطاعة رسوله، وهو الدين والتقوى، والبر والعمل الصالح، والشرعة والمنهاج، وإن كان بين هذه الأسماء فروق، وكذلك حمد أفعالًا هي الحسنات، ووعد عليها، وذم أفعالًا هي السيئات، وأوعد عليها، وقيد الأمور بالقدرة والاستطاعة، والوسع، والطاقة، فقال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (التغابن: 16)، وقال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} (البقرة: 286)، وقال تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} (الطلاق: 7).
وكل من الآيتين، وإن كانت عام: فسبب الأولى: المحاسبة على ما في النفوس، وهو من جنس أعمال القلوب. وسبب الثانية: إعطاء الواجب. وقال تعالى: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ} (النساء: 84) وقال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (البقرة: 185) وقال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} (النساء: 28)، وقال تعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} (المائدة: 6).