وفي الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب)).
قال الإمام النووي في شرح مسلم: "وإنما يندب الستر على من كان من ذوي الهيئات مثل: العلماء، وأولياء الأمور، ونحوهم، ممن ليس معروفًا بالأذى والفساد، فأما المعروف بذلك فيستحب ألّا يستر عليهم، بل يرفع قصته إلى ولي الأمر إن لم يخف من ذلك مفسدة؛ لأن الستر على هذا يطغيه، ويطمعه في الإيذاء والفساد، وانتهاك الحرمات، فلو لم يستر على من لم يندب الستر عليه، بل رفعه إلى السلطان ونحوه، لم يأثم بالإجماع لكن هو خلاف الأولى".
وأما المُنكر الذي يعلم بقرائن الحال أنه سيوجد، فلا إنكار فيه إلا بالوعظ، بشرط: أن يكون صاحبه معترفًا بعزمه عليه، فإن أنكر عزمه عليه لم يجز وعظه، فإن فيه إساءة الظن بالمسلم.
فإن قيل: ينبغي أن نقول هذا فيمن خلا بأجنبية، أو وقف ينظر إلى النساء الأجنبيات؛ لأنه ربما لا يقدم على الفسق أو يعترف بعزمه عليه. قلنا: إنما أنكرنا عليه من حيث إن الخلوة معصية، والنظرة معصية في ذاتها، لا من حيث إننا نتوقع به معصية قد لا يقدم عليها.
الشرط الثالث في المنكر: أن يكون ظاهرًا بغير تجسس، فكل من ستر معاصيه في داره وأغلق عليه بابه لا يجوز لأحد أن يتجسس عليه.
قال الإمام الماوردي: "ليس للمحتسب أن يبحث عما لا يظهر من المحرمات، وإن غلب الظن استسرار قوم بها لأمارة وآثار ظهرت، وذلك على وجهين:
أحدهما: أن يكون في ذلك حرمة يفوت استدراكها مثل: أن يخبره من يثق بصدقه أن رجلًا خلا برجل ليقتله، أو بامرأة ليزني بها، فيجوز له في مثل هذا