وهذا الذي يقاتل عليه الخلق كما قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} (البقرة: 193)، وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء، أي ذلك في سبيل الله فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((من قاتل لتكون كملة الله هي العليا فهو في سبيل الله)).
وكل بني آدم لا تتم مصلحتهم لا في الدنيا، ولا في الآخرة إلا بالاجتماع والتعاون والتناصر، فالتعاون والتناصر على جلب منافعهم، والتناصر لدفع مضارهم، ولهذا يقال الإنسان مدني بالطبع، فإذا اجتمعوا فلا بد لهم من أمور يفعلونها يجتلبون بها المصلحة، وأمور يجتنبونها لما فيها من المفسدة، ويكونون مطيعين للآمر بتلك المقاصد والناهي عن تلك المفاسد، فجميع بني آدم لا بد لهم من طاعة آمرٍ وناهٍ، فمن لم يكن من أهل الكتب الإلهية ولا من أهل دين فإنهم يطيعون ملكوهم في ما يرون أنه يعود بمصالح دنياهم، مصيبين تارة ومخطئين أخرى، وأهل الأديان الفاسدة من المشركين، وأهل الكتاب المستمسكين به بعد التبديل، أو بعد النسخ والتبديل مطيعون في ما يرون أنه يعود عليهم بمصالح دينهم ودنياه.
وغير أهل الكتاب منهم من يؤمن بالجزاء بعد الموت ومنهم من لا يؤمن به، وأما أهل الكتاب فمتفقون على الجزاء بعد الموت، ولكن الجزاء في الدنيا متفق عليه أهل الأرض. فإن الناس لم يتنازعوا في أن عاقبة الظلم وخيمة، وعاقبة العدل كريمة، ولهذا يقال: إن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة.
وإذا كان لا بد من طاعة آمر وناه، فمعلوم أن دخول المرء في طاعة الله ورسوله خير له، وهو الرسول النبي الأمي المكتوب في التوراة والإنجيل، الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث.