ونماذج شعرهم كثيرة، وهي محفوظة في دواوينهم، وكان شعر حسان على الكفار أشد وقعًا من السهام والنبال، وضرب السيوف، حتى لقب حسان: بشاعر الرسول. كما كان -صلى الله عليه وسلم- يعين لحسان ولغيره المصدر والمرجع إذا التبس نسب، أو يوم من أيام العرب، وما عليهم إذا أشكل عليهم ذلك، إلا أن يسألوا أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- فقد كان نسابة العرب في عصره.
وكم كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يعد حسانًا لمنازلة أعدائه، مما جعل قريحته الشعرية تجود بأحسن ما يكون من الهجاء لأعداء الله ورسوله.
روى الإمام مسلم في صحيحه عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اهج قريشًا؛ فإنه أشد عليها من رشق النبل، فأرسل إلى ابن رواحة فقال: اهجهم. فهجاهم، فلم يرض. فأرسل إلى كعب بن مالك، ثم أرسل إلى حسان بن ثابت، فلما دخل عليه، قال حسان: قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه، ثم أدلع لسانه، فجعل يحركه ويقول: والذي بعثك بالحق لأفرينهم بلساني فري الأديم. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا تعجل فإن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها، وإن لي فيهم نسبًا حتى يلخص لك نسبي، فأتاه حسان -أي: أتى أبا بكر- ثم رجع فقال: يا رسول الله، قد لخص لي نسبك، والذي بعثك بالحق لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين، قالت عائشة: فسمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول لحسان: إن روح القدس لا يزال يؤيدك ما نافحت عن الله ورسوله)).
وقالت عائشة -رضي الله عنها-: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((هجاهم حسان فشفا واستشفى)).
ولقوة هذه الوسيلة -أي: الشعر- وفعاليتها، لم يكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يكتفي بالرد عليهم بالوسيلة نفسها، بل كان يتعدى ذلك إلى إهدار دم بعض حاملي هذه الوسيلة من أعداء الإسلام، ممن اشتد أذاهم على الرسول -صلى الله عليه وسلم- ودعوته.