responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الشورى في الشريعة الإسلامية المؤلف : حسين بن محمد المهدي    الجزء : 1  صفحة : 127
مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) [1] , ويقول: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا) [2] , ويقول: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) [3].
وإذا كانت البشرية أبناء أب وأم واحدة فإنه يكون المساواة في الوظائف العامة أمراً بديهياً، فهذا ابن أم مكتوم وهو رجل أعمى يعاتب الله رسوله فيه فيقول جل شأنه: (عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أو يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى * وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) [4] , وهذه السورة دليل من دلائل صدق النبوة ومظهر من مظاهر الإخاء في المجتمع، وتواضع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وتقبله للعتاب وتلاوته لهذا القرآن دليل على حسن سياسته. وقد كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إذا رأى هذا الرجل -ابن أم مكتوم- بعد هذا العتاب الرباني بسط له رداءه، نقل القرطبي في تفسيره عن الثوري قال: (كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك إذا رأى ابن أم مكتوم بسط له رداءه ويقول: مرحباً بمن عاتبني فيه ربي. ويقول له: هل من حاجة؟ واستخلفه على المدينة مرتين في غزوتين غزاهما، قال أنس رأيته يوم القادسية راكباً عليه درع وعليه راية سوداء. (5)
وبهذا يتضح سماحة الإسلام وتكريمه للإنسان وها هو ابن أم مكتوم يشارك في الحياة العامة ويستخلفه الرسول على المدينة ولم يمنع العمى من القيام بدوره. والشورى هي نهج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ودربه الذي يسير عليه وليس شكل الشورى الذي جاءت به الشريعة الإسلامية مصبوباً في قالب حديد, وإنما هو متروك للصورة الملائمة لكل زمان ومكان لتحديد ذلك الطابع في حياة الجماعة البشرية كلها وليست أشكال جامدة وليست نصوص حَرْفية وإنما هي روح ينشأ عنها استقرار الحقيقة وقيامها وسعادة البشرية وازدهارها. قال تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [6].

[1] - الآية 98 من سورة الأنعام.
[2] - الآية 189 من سورة الأعراف.
[3] - الآية 1 من سورة النساء.
[4] - الآيات 1 - 10 من سورة عبس.
(5) - انظر القرطبي في الجامع لأحكام القرآن - 19 - ص213.
[6] - الآية 52 من سورة الشورى.
اسم الکتاب : الشورى في الشريعة الإسلامية المؤلف : حسين بن محمد المهدي    الجزء : 1  صفحة : 127
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست