اسم الکتاب : طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد المؤلف : الكواكبي، عبد الرحمن الجزء : 1 صفحة : 115
الاستبداد والتربية
خلق اللهُ في الإنسان استعداداً للصلاح واستعداداً للفساد، فأبواه يصلحانه، وأبواه يفسدانه؛ أي إنَّ التربية تربو باستعداده جسماً ونفساً وعقلاً، إنْ خيراً فخير، وإنْ شراً فشرّ. وقد سبق أنَّ الاستبداد المشؤوم يؤثِّر على الأجسام فيورثها الأسقام، ويسطو على النفوس، فيفسد الأخلاق، ويضغط على العقول فيمنع نماءها بالعلم. بناءً عليه؛ تكون التربية والاستبداد عاملين متعاكسين في النتائج، فكلُّ ما تبنيه التربية مع ضعفها يهدمه الاستبداد بقوته، وهل يتمُّ بناءٌ وراءه هاد؟
الإنسان لا حدَّ لغايتيه رقيّاً وانحطاطاً. وهذا الإنسان الذي حارت العقول فيه، الذي تحمَّل أمانة تربية النَّفس، وقد أبتها العوالم، فأتمَّ خالقه استعداده، ثمَّ أوكله لخيرته، فهو إن يشأ الكمال يبلغ فيه إلى ما فوق مرتبة الملائكة، وإن شاء تلبَّس بالرَّذائل حتى أحطّ من الشياطين، على أنَّ الإنسان أقرب للشرِّ منه للخير. وكفى أنَّ الله ما ذكر الإنسان في القرآن، إلا وقرن اسمه بوصفٍ قبيح كظلوم وغرور وكفّار
اسم الکتاب : طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد المؤلف : الكواكبي، عبد الرحمن الجزء : 1 صفحة : 115