اسم الکتاب : التعليق على الرحيق المختوم المؤلف : الملاح، محمود الجزء : 1 صفحة : 70
يحتج بالمرسل، وكذلك من لا يحتج به لاعتضاد بعضها ببعض، لأن الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها، دل ذلك على أن لها أصلاً.
فللعلماء عن ذلك أجوبة كثيرة أحسنها، وأقربها: أن النَّبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يرتل السورة ترتيلاً تتخلله سكتات، فلما قرأ {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} [النجم: 20] قال الشيطان - لعنه الله - محاكياً لصوته: تلك الغرانيق العلى ... إلخ فظن المشركون أن الصوت صوته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهو بريء من ذلك براءة الشمس من اللمس، وقد أوضحنا هذه المسألة في رحلتنا إيضاحاً وافياً، واختصرناها هنا، وفي كتابنا: دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب.
والحاصل: أن القرآن دل على بطلانها، ولم تثبت من جهة النقل، مع استحالة الإلقاء على لسانه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما ذكر شرعاً، ومن أثبتها نسب التلفظ بذلك الكفر للشيطان. فتبين أن نطق النَّبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذلك الكفر، ولو سهواً مستحيل شرعاً، وقد دل القرآن على بطلانه، وهو باطل قطعاً على كل حال، والغرانيق: الطير البيض المعروفة واحدها: غرنوق كزنبور وفردوس، وفيه لغات غير ذلك، يزعمون أن الأصنام ترتفع إلى الله كالطير البيض، فتشفع عنده لعابديها قبحهم الله ما أكفرهم).
قال العلامة المفسر محمد الطاهر بن عاشور التونسي في التحرير والتنوير من التفسير
سورة الحج: الآية (52) وما بعدها:
(وكذلك تركيب تلك القصة على آية سورة الحج. وكم بين نزول سورة النجم التي هي من أوائل السور النازلة بمكة وبين نزول سورة الحج التي بعضها من أول ما نزل بالمدينة وبعضها من آخر ما نزل بمكة.
وكذلك ربط تلك القصة بقصة رجوع من رَجع من مهاجرة الحبشة. وكم بين مدّة نزول سورة النجم وبين سنة رجوع من رجع من مهاجرة الحبشة.
اسم الکتاب : التعليق على الرحيق المختوم المؤلف : الملاح، محمود الجزء : 1 صفحة : 70