يفعل ما فعله الحبر اليهودي زيد بن سعنة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حين جاء يطلب ماله، فأغلظ في مطالبته وأساء؛ حتى قام إليه عمر - صلى الله عليه وسلم - يريد أن ينال منه وأن يعلمه أدب الخطاب مع الأنبياء.
لكن النبي - صلى الله عليه وسلم - بحلمه قال لعمر: «يا عمر، أنا وهو كنا إلى غير هذا منك أحوج: أن تأمرني بحسن القضاء، وتأمرَه بحسن التقاضي، انطلق يا عمر أوفه حقه، أما إنه قد بقي من أجله ثلاث، فزده [يا عمر] ثلاثين صاعاً لتزويرك عليه» [1].
وهنيئاً لمن رزقه الله حسن التقاضي، فقد دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - لصاحب هذا الفعل بالرحمة، فقال: «رحم الله عبداً سمْحاً إذا باع، سمْحاً إذا اشترى، سمْحاً إذا قضى، سمحاً إذا اقتضى» [2].
وأسمح صور التقاضي وأحسنها؛ التجاوزُ عن المعسر وإنظارُه في الدَّين الذي حلَّ سدادُه، كما قال تعالى: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} (البقرة:280).
فإنظار المعسر من أفضل ما يتقرب به المسلم إلى ربه، وهو سبب في مغفرة الرب للعبد، يقول - صلى الله عليه وسلم -: «تلقت الملائكة روح [1] أخرجه الحاكم في مستدركه (2/ 37) والبيهقي في السنن (6/ 52). [2] أخرجه البخاري ح (2079).