وطوال حياته - صلى الله عليه وسلم - بقي وفياً لخديجة لا يفتر لسانه عن ذكرها بالخير والدعاء لها وتذكر جميلها وحقوقها عليه - صلى الله عليه وسلم -، فصدق فيه قول الإمام الشافعي: "الحر يحفظ وداد لحظة"، وفي هذا الفصل البديع من فصول سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - درس لكل زوج وخاصة ذاك الذي ينسى سراعاً عشرة زوجته، فيسارع إلى طلاقها أو إيذائها ناسياً سابق جميلها والأيام الجميلة التي قضاها معها.
لكن الجديد الذي أعيى الباحثين في سير الرجال وتراجم العظماء أن يجدوا مثيلاً له؛ الوفاء بعد الوفاة، حيث لا يشعر الميت بمشاعر الحي ولا يدركها، فسرعان ما تذبل هذه المشاعر وتذوي وتطويها ذاكرة النسيان.
وخصلة الوفاء للميت بعد وفاته مأثرة من مآثر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وخصلة بديعة من خصاله القرآنية، فقد وصفت عائشة رضي الله عنها وفاءه لخديجة وقد ماتت قبل زواجه من عائشة بسنوات، فتقول: (ما غرت على امرأة للنبي - صلى الله عليه وسلم - ما غرت على خديجة، لما كنت أسمعه يذكرها .. وإن كان ليذبح الشاة فيهدي في خلائلها [أي صديقاتها] منها ما يسعهن) [1]. [1] أخرجه البخاري ح (3816)، ومسلم ح (2435).