ولما كان الاستماع إلى المزاح الحرام يشرك السامع في المعصية، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يرض به في مجلسه، بل استنكره، فقد صعد ابن مسعود - رضي الله عنه - على شجرة، فنظر أصحابه إلى ساقه وكانت نحيلة جداً، فضحكوا من ذلك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما تضحكون! لرِجلُ عبد الله أثقل في الميزان يوم القيامة من أحد» [1].
وهكذا فالمزاح يحرم ويكره حين تتلبسه المحرمات والمكروهات، ولكنه مباح حين يبرأ من هذه الرزايا وأمثالها، بشرط أن لا يجاوز قدره.
صور من مزاح النبي - صلى الله عليه وسلم -:
وقد أجاز العلماء المزاح، ونقل المناوي أنه "قيل لابن عيينة: المزاح سبة؟ فقال: بل سُنَّة، ولكن من يحسنه، وإنما كان [- صلى الله عليه وسلم -] يمزح، لأن الناس مأمورون بالتأسي به والاقتداء بهديه، فلو ترك اللطافة والبشاشة، ولزِم العبوس والقطوب لأخذ الناس من أنفسهم بذلك على ما في مخالفة الغريزة من الشفقة والعناء، فمزح ليمزحوا، ولا يناقض ذلك خبر «ما أنا من دد، [1] أخرجه أحمد ح (922)، والبخاري في الأدب المفرد ح (237)، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد ح (105).