وأما ما نراه من بعض الناس من استخدام آيات القرآن في غير ما نزلت له من المزاح واللغو من غير الوقوع في الاستهزاء، فإن أقل ما يقال في فعل هؤلاء أنه مكروه، قال النووي: "يكره من ذلك ضرب الأمثال في المحاورات والمزح ولغو الحديث، فيكره في كل ذلك تعظيماً لكتاب الله تعالى" [1].
وقد استقبح القرآن الكريم اتهام اليهود لموسى عليه السلام بالهزل والمزاح حين أمرهم بذبح البقرة فقالوا: {أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً}، أي أتمازحنا وتهزل معنا؟ وما درى هؤلاء أن الهزل لا يكون في مثل هذا، فالدين والوحي والبلاغ عن الله هو أبعد ما يكون عن هذا الباب، لذا أجابهم موسى عليه السلام بقوله: {أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} (البقرة: 67).
والبعض يتجنب المزاح الحرام، لكنه لا يمتنع عن مجالسة أهله، ولربما شاركهم بالتبسم والاستماع، وهذا باب من الحرام والمشاركة في الإثم، وقد حذر الله منه في القرآن فقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم - وللمؤمنين من بعده: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (الأنعام: 86)، فالخوض مع هؤلاء [1] شرح النووي على صحيح مسلم (12/ 164).