اسم الکتاب : السيرة النبوية الصحيحة محاولة لتطبيق قواعد المحدثين في نقد روايات السيرة النبوية المؤلف : العمري، أكرم الجزء : 1 صفحة : 238
وقد تأخر بعض المسلمين بمكة عن الهجرة تحت ضغوط أزواجهم وأولادهم فلما هاجروا من بعد ورأوا الذين سبقوهم من المهاجرين قد تفقهوا في الدين هموا بمعاقبة أزواجهم وأولادهم وكان ذلك سبباً في نزول الآية الكريمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ....} [1].
ويتضح من ذلك كله أن الهجرة كانت فرضاً في أول الإسلام على من أسلم حتى إذا كانت غزوة الأحزاب سنة خمس للهجرة وتبينت قدرة الدولة الإسلامية على الدفاع عن نفسها وحماية كيانها أمام قوى الأحزاب مجتمعين لم تعد بحاجة إلى مهاجرين جدد، فقد تغيرت خطة الدولة الإسلامية من الدفاع إلى الهجوم وعبَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله: "الآن نغزوهم ولا يغزوننا".
وكذلك ضاقت المدينة بسكانها المتزايدين وما يحتاجونه من القوت والمسكن، فطلب الرسول الكريم من بعض المهاجرين بعد الخندق العودة إلى ديارهم قائلا: "هجرتكم في رحالكم" إذ لم تعد ثمة حاجة لإقامتهم في المدينة بل صار بقاؤهم في قبائلهم أجدى لقيامهم بالدعوة إلى الإسلام خارج المدينة وتوسيع انتشار الإسلام.
ولكن ذلك لا يعتبر وقفاً رسمياً للهجرة، بل إن إعلان وقف الهجرة كان بعد فتح مكة حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا" [2]. وبهذا سقط فرض الهجرة إلى المدينة وبقي فرض الجهاد والنية على من قام به أو أنزل به عدوّ، لكن الهجرة باقية الحكم في حق من أسلم في دار الكفر ولم يأمن الفتنة على دينه مع قدرته على الخروج منها.
لقد أدت الهجرة المستمرة إلى تنوع سكان المدينة المنورة فلم يعودوا يقتصرون على الأوس والخزرج ويهود بل نزل معهم المهاجرون من قريش وقبائل العرب [1] سورة التغابن من الآية 14 والحديث أخرجه الترمذي سنن 4/ 202. وقال هذا حديث حسن صحيح، والحاكم: المستدرك 2/ 490.
وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأقره الحافظ الذهبي. [2] صحيح البخاري 3/ 200 وصحيح مسلم 3/ 1487.
اسم الکتاب : السيرة النبوية الصحيحة محاولة لتطبيق قواعد المحدثين في نقد روايات السيرة النبوية المؤلف : العمري، أكرم الجزء : 1 صفحة : 238