اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 869
يدير المدينة في حالة غيبته عنها، وكلما فتح منطقة وضع عليها أميرا، وكانت الوفود تأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعين عليها أميرًا من قبله، ثم يترك لهم من يعلمهم دينهم, ويرسل إليهم من يجمع صدقاتهم [1] , وكان يختار عماله من الصالحين وأولي العلم والدين، ومن المنظور إليهم من العرب وذوي الشخصيات المؤثرة في قبائلهم، فقد كان عامله على مكة عتاب بن أسيد, وعلى الطائف عثمان بن العاص، وبعث معاذًا وأبا موسى إلى اليمن, وأقر الرسول في بعض الحالات أمراء وملوك القبائل التي أسلمت أو قبلت الجزية, ومنهم باذان ابن سامان ولد بهرام الذي أقره الرسول صلى الله عليه وسلم على اليمن بعد إسلامه, ولما بلغه موته قسم عمله على جماعة من الصحابة، فولى على صنعاء شمر بن باذان, وعلى مأرب أبا موسى الأشعري، وعلى الجند يعلى بن أمية، وعلى همذان عامر ابن شمر الهمذاني، وعلى ما بين نجران وزمع وزبيد خالد بن سعيد بن العاص، وعلى نجران عمرو بن حزام، وعلى بلاد حضرموت زياد بن لبيد البياضي, وعلى السكاسك والسكون عكاشة بن ثور [2].
وكان صلى الله عليه وسلم يستوفي الحساب على العمال؛ يحاسبهم على المستخرج والمصروف، وحدد صلى الله عليه وسلم لبعض عماله رواتب، منهم عتاب بن أسيد والي مكة درهمًا كل يوم [3] , ولما استعمل -عليه الصلاة والسلام- قيس بن مالك على قومه همذان خصص له قطعة من الأرض يأخذ خراجها، وكانت رواتب عماله تتغير بتغير أحوال المعيشة فهي ليست ثابتة [4]. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ولي لنا ولاية ولم يكن له بيت فليتخذ بيتا، أو لم تكن له زوجة فليتخذ زوجة، أو لم تكن له دابة فليتخذ دابة» [5] , وهذه هي الحاجات الرئيسية لولي الأمر في ذلك الوقت منعا لأخذ الرشوة، وهذه قاعدة قانونية جاء بها الإسلام قبل أن تثبتها القوانين الوضعية الحديثة في بنودها, وهي أن الهدية للحاكم رشوة صريحة [6].
* * *
المبحث السابع
حجة الوداع (10 هـ)
الحج أحد الأركان الخمسة، وقد فرض في العام العاشر, وهذا ما ذهب إليه ابن القيم [7] واستدل بأدلة قوية وهو اللائق بهديه صلى الله عليه وسلم في عدم تأخير ما هو فرض؛ لأن الله تعالى يقول: (وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) [آل عمران: 97] وقد نزلت عام الوفود [1] انظر: دراسات في عهد النبوة للشجاع، ص221. [2] ابن خلدون: العبر وديوان المبتدأ والخبر (2/ 59). [3] انظر: السيرة النبوية لابن هشام (4/ 153). [4] انظر: الدولة العربية الإسلامية، منصور الحرابي، ص44. [5] انظر: الدولة العربية الإسلامية، ص44، التراتيب الإدارية للكتاني (1/ 227). [6] انظر: الدولة العربية الإسلامية, ص 44. [7] انظر: زاد المعاد (3/ 595).
اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 869