responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 858
رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، فقال لها عروة بن الزبير: ما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء [1]. هذا, وقد فتح الله على المسلمين بعد خيبر وفتح مكة، وغزوة تبوك, وقد قرأت زوجات النبي صلى الله عليه وسلم آيات في كتاب الله تبيح التمتع بنعم الله دون إسراف، فرغبن أن ينالهن حظ من ذلك, كما في قوله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف: 31].
وحض على أكل الطيبات من الرزق, قال سبحانه: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [الأعراف: 32].
ودعا إلى التوسط في الإنفاق والاعتدال فيه فقال تعالى: (وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا) [الإسراء: 29]. إلا أن هناك جانبا آخر يتعلق به صلى الله عليه وسلم ونمط من المعيشة اختاره بتوجيه من ربه عز وجل, فلم يلتفت لشيء من هذا كما أدبه ربه -سبحانه وتعالى- بقوله: (لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) [الحجر: 88] , وقوله سبحانه: (وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) [طه: 131]. ولذلك جاءت آيات التخيير فوقف زوجاته صلى الله عليه وسلم من قضية التخيير موقفا حاسمًا لا تردد فيه، فإنهن اخترن الله ورسوله والدار الآخرة، فقد كن يطلبن منه صلى الله عليه وسلم التوسعة في النفقة, وكن يدافعن عن ذلك ما استطعن، فلما وصل الأمر إلى وضعهن أمام خيارين: الحياة الدنيا وزينتها، أو الله ورسوله والدار الآخرة, لم يترددن لحظة واحدة في سلوك الخيار الثاني، بل قلن جميعهن بصوت واحد: نريد الله ورسوله والدار الآخرة [2].
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخيير أزواجه بدأ بي فقال: «إني ذاكر لك أمرًا فلا عليك أن تعجلي حتى تستأمري أبويك» , قالت: وقد علم أن أبويَّ لم يكونا يأمراني بفراقه، قالت: ثم قال: «إن الله -جل ثناؤه- قال: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً - وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآَخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا)» [الأحزاب: 28 - 29] , قالت: فقلت: ففي أي هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة، قالت: ثم فعل أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت [3].
وهكذا تتجلى في موقفهن -رضي الله عنهن- صورة ناصعة لقوة الإيمان، واختبار حقيقي للإخلاص والصدق مع الله تعالى، فإن الله تعالى في الآية الأولى من آيتي التخيير يقول: {إِن كُنتُنَّ

[1] البخاري في الرقائق رقم 6459.
[2] انظر: قضايا نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنات في سورة الأحزاب، ص77.
[3] البخاري، كتاب التفسير رقم 4786.
اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 858
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست