اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 827
وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار، فمن جاءها منكم فلا يمس من مائها شيئا حتى آتي» فجئناها وقد سبقنا إليها رجلان، والعين مثل الشراك [1] , تبض [2] بشيء من ماء، فسألهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل مسستما من مائها شيئا؟» قالا: نعم، فسبهما النبي صلى الله عليه وسلم وقال لهما ما شاء الله أن يقول، ثم غرفوا بأيديهم من العين قليلا قليلا حتى اجتمع في شيء, وغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه يديه ووجهه, ثم أعاده فيها فجرت العين بماء منهمر حتى استقى الناس [3].
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل: «يوشك يا معاذ إن طالت بك حياة أن ترى ما هاهنا قد ملئ جنانًا» [4] , لقد كانت منطقة تبوك والوادي الذي كانت فيه العين منطقة جرداء لقلة الماء، ولكن الله -عز وجل- أجرى على يد رسوله صلى الله عليه وسلم بركة تكثير هذا الماء حتى أصبح يسيل بغزارة، ولم يكن هذا آتيا لسد حاجة الجيش، بل أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه سيستمر وستكون هناك جنان وبساتين مملوءة بالأشجار المثمرة، ولقد تحقق ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم بعد فترة قليلة من الزمن، وما زالت تبوك حتى اليوم تمتاز بجنانها وبساتينها ونخيلها وتمورها، تنطق بصدق نبوة الرسول وتشهد بأن الرسول لا يتكلم إلا صدقًا, ولا يخبر إلا حقا, ولا ينبئ بشيء إلا ويتحقق [5].
5 - تكثير الطعام:
قال أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه -: لما كانت غزوة تبوك أصاب الناس مجاعة، فقالوا: يا رسول الله, لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا [6] فأكلنا وأدمنا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «افعلوا»، فجاء عمر فقال: يا رسول الله, إنهم إن فعلوا قل الظَّهْر [7] ولكن ادعهم بفضل أزوادهم، ثم ادع لهم بالبركة، لعل الله يجعل في ذلك، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنطع [8] فبسطه، ثم دعاهم بفضل أزوادهم فجعل الرجل يجيء بكف الذرة، والآخر بكف التمر، والآخر بالكسرة حتى اجتمع على النطع في ذلك شيء يسير، ثم دعا عليه بالبركة، ثم قال لهم: «خذوا في أوعيتكم» فأخذوا من أوعيتهم حتى ما تركوا من المعسكر وعاء إلا ملأوه، وأكلوا حتى شبعوا، وفضلت منه فضلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله, لا يلقى اللهَ بهما عبدٌ غير شاكٍّ فتحجب عنه الجنة» [9]. [1] الشراك: هو سير النعل ومعناه ماء قليل جدا. [2] تبض: بفتح التاء وكسر الموحدة وتشديد الضاد ومعناه تسيل. [3] صحيح مسلم بشرح النووي (15/ 41) , مختصر مسلم رقم 1530. [4] صحيح مسلم بشرح النووي، الفتح الرباني (21/ 196). [5] انظر: الصراع مع الصليبيين، ص142. [6] نواضحنا: جمع ناضح وهي الإبل التي يسقى عليها. [7] الظهر: ما يحمل عليه من الإبل. [8] النطع: بساط من الجلد. [9] الفتح الرباني (21/ 196 - 198).
اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 827