responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 824
الموعظة أشد، والاعتبار أعمق، والخوف من سخط المولى -سبحانه- أبلغ، ولهذا تسجى النبي صلوات الله وسلامه عليه بثوبه لما مر بالديار الملعونة المسخوطة واستحث خطا راحلته [1] وقال لأصحابه: «لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين, حذرًا أن يصيبكم ما أصابهم» [2].

خامسًا: وفاة الصحابي عبد الله ذي البجادين [3] - رضي الله عنه -:
قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: قمت من جوف الليل، وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، قال: فرأيت شعلة من نار في ناحية العسكر، قال: فاتبعتها، أنظر إليها، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر، وإذا عبد الله ذو البجادين المزني قد مات، وإذا هم قد حفروا له، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في حضرته، وأبو بكر وعمر يدليانه إليه، وهو يقول: «أدنيا إليَّ أخاكما» فدلياه إليه، فلما هيأه بشقه، قال: «اللهم إني أمسيت راضيًا عنه، فارض عنه» قال (الراوي عن ابن مسعود): قال عبد الله بن مسعود: يا ليتني كنت صاحب الحفرة [4].
قال ابن هشام: وإنما سمي ذا البجادين؛ لأنه كان ينازع إلى الإسلام فيمنعه قومه من ذلك يضيقون عليه، حتى تركوه في بجاد ليس عليه غيره, فهرب منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما كان قريبا منه، شق بجاده باثنين، فاتزر بواحد واشتمل بالآخر، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له: ذو البجادين، لذلك [5].
وفي هذه القصة دروس وحكم وفوائد منها:
1 - تكريم النبي صلى الله عليه وسلم لجنوده أحياء وأمواتًا:
فهذا الفعل مع ذي البجادين يدل على حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تكريم أصحابه حتى في حالة الوفاة؛ لأنهم قدموا أنفسهم للجهاد في سبيل الله تاركين وراءهم أعز ما يملكون، فكانت تلك الرعاية مظهرًا من مظاهر تكريمهم في الدنيا، حيث لم يترك جثثهم تتناوشها الذئاب وغيرها من دواب الأرض؛ لكي يكون هذا التكريم من الأسباب التي تدفع غيرهم إلى الاستبسال والإقدام في ميادين الجهاد, ومن الجدير بالذكر أن هذا المبدأ لم يجد من يدعو إلى تطبيقه إلا في العصر الحديث، وبهذا يمكن أن يقال: إن رعاية القائد المسلم لشئون جنده تعد سبقا عسكريًا لم تعرفه النظم والدساتير الوضعية إلا بعد قرون طويلة، من بزوغ الإسلام [6].

[1] انظر: صور وعبر من الجهاد النبوي في المدينة، ص480.
[2] البخاري، كتاب الأنبياء رقم 3381.
[3] البجاد: الكساء الغليظ الجافي.
[4] انظر: صحيح السيرة النبوية، ص598.
[5] انظر: السيرة النبوية لابن هشام (4/ 182).
[6] انظر: المدخل إلى العقيدة والاستراتيجية العسكرية الإسلامية ص299.
اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 824
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست