اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 754
[2] - إسلام أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وعبد الله بن أمية:
خرج أبو سفيان بن الحارث وعبد الله بن أمية بن المغيرة من مكة, فلقيا رسول الله بثنية العقاب فيما بين مكة والمدينة، فالتمسا الدخول عليه، فكلمته أم سلمة فقالت: يا رسول الله ابن عمك، وابن عمتك وصهرك، فقال: لا حاجة لي فيهما؛ أما ابن عمي فهتك عرضي، وأما ابن عمتي وصهري فهو الذي قال لي بمكة ما قال، فلما خرج الخبر إليهما بذلك -ومع أبي سفيان بن الحارث ابن له- فقال: والله ليأذنن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لآخذن بيد ابني هذا، ثم لنذهب في الأرض حتى نموت عطشًا أو جوعًا، فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم رقَّ لهما، فدخلا عليه، فأنشده أبو سفيان قوله في إسلامه واعتذاره عما كان مضى فيه فقال:
لعمرك إني يوم أحمل راية ... لتغلب خيل اللات خيل محمد
لكالمدلج الحيران أظلم ليله ... فهذا أوان الحق أهدي وأهتدي
فقل لثقيف لا أريد قتالكم ... وقل لثقيف تلك عندي فأوعدي
هداني هاد غير نفسي ودلني ... إلى الله من طرَّدت كل مطرد
أفر سريعًا جاهدًا عن محمد ... وأدعى وإن لم أنتسب لمحمد
همُ عصبة من لم يقل بهواهم ... وإن كان ذا رأي يُلَمْ ويفند
أريد لأرضيهم ولست بلاقط ... مع القوم ما لم أهد في كل مقعد
فما كنت في الجيش الذي نال عامرا ... وما كان عن غير لساني ولا يدي
قبائل جاءت من بلاد بعيدة ... توابع جاءت من سهام وسردد
وإن الذي أخرجتم وشتمتم ... سيسعى لكم امرؤ غير مقدد (1)
قال: فلما أنشد رسول الله صلى الله عليه وسلم (إلى الله من طردت كل مطرد)، ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره، فقال: «أنت طردتني كل مطرد» [2].
كان أبو سفيان بن الحارث يهجو بشعره رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرًا، وأما عبد الله بن أمية فقد قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (فوالله لا أومن بك حتى تتخذ إلى السماء سلمًا ثم ترقى فيه وأنا أنظر إليك حتى تأتيها، ثم تأتي بصك معه أربعة من الملائكة يشهدون لك كما تقول, ثم وايم الله لو فعلت ذلك ما ظننت أني أصدقك) [3].
ومع فداحة جرمهما فإن النبي صلى الله عليه وسلم عفا عنهما وقبل عذرهما، وهذا مثال عالٍ في الرحمة والعفو والتسامح، ولقد كفَّر أبو سفيان بن الحارث عن أشعاره السابقة بهذه القصيدة البليغة التي قالها في مدح النبي صلى الله عليه وسلم وبيان اهتدائه به، ولقد حسن إسلامه، وكان له موقف مشرف في الجهاد
(1) انظر: صحيح السيرة النبوية، ص517. [2] أخرجه الحاكم في المستدرك (3/ 43 - 45) ومجمع الزوائد (6/ 164 - 167). [3] انظر: ابن هشام (1/ 295 - 300).
اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 754