ثانيًا: وداع الجيش الإسلامي:
لما تجهز الجيش الإسلامي وأتم استعداده، توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون يودعون الجيش, ويرفعون أكف الضراعة لله عز وجل أن ينصر إخوانهم المجاهدين، لقد سلموا عليهم وودعوهم بهذا الدعاء: دفع الله عنكم وردكم صالحين غانمين [2].
ولما ودع الناس عبد الله بن رواحة وسلموا عليه بكى وانهمرت الدموع من عينيه ساخنة غزيرة, فتعجب الناس من ذلك، وقالوا: ما يبكيك يا ابن رواحة؟ فقال: والله ما بي حب الدنيا وصبابة، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ آية من كتاب الله يذكر فيها النار (وَإِن مِنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا) [مريم: 71] , فلست أدري كيف بي بالصدر بعهد الورود، فقال لهم المسلمون: صحبكم الله ودفع عنكم، وردكم إلينا صالحين، فقال عبد الله بن رواحة:
لكني أسأل الرحمن مغفرة ... وضربة ذات فراغ تقذف الزبدا
أو طعنة بيدي حران مجهزة ... بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا
حتى يقولوا إذا مروا على جدثي ... أرشده الله من غاز وقد رشدا (3)
وودع رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة، فقال ابن رواحة يخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم:
يثبت الله ما آتاك من حسن ... تثبيت موسى ونصرًا كالذي نصروا
إني تفرست فيك الخير نافلة ... فراسة خالفتهم في الذي نظروا
أنت الرسول فمن يحرم نوافله ... والوجه منه فقد أزرى به القدر (4)
ثالثًا: الجيش يصل إلى معان واستشهاد الأمراء الثلاثة:
لما وصل الجيش الإسلامي إلى معان من أرض الشام -وهي الآن محافظة من محافظات الأردن- بلغه أن النصارى الصليبيين من عرب وعجم قد حشدوا حشودًا ضخمة لقتالهم، إذ حشدت القبائل العربية مائة ألف صليبي من لخم وجذام وبهراء وبلى, وعينت لهم قائدًا هو مالك بن رافلة, وحشد هرقل مائة ألف نصراني صليبي من الروم فبلغ الجيش مائتي ألف مقاتل، مزودين بالسلاح الكافي يرفلون في الديباج لينبهر المسلمون بهم وبقوتهم [5] , ولقد قام المسلمون في معان يومين يتشاورون في التصدي لهذا الحشد الضخم فقال بعضهم: نرسل إلى [1] انظر: المغازي (2/ 757،758). [2] انظر: السيرة النبوية لابن هشام (4/ 21).
(3) المصدر السابق (4/ 21).
(4) انظر: مغازي رسول الله لعروة بن الزبير، ص204، 205. [5] انظر: شرح المواهب اللدنية (2/ 271).
اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 734