اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 677
9 - إن المعاهدة لا بد لها من توقيع الأطراف والإشهاد عليها، وتوقيع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإشهاد أصحابه إنما هو بمثابة التوقيع على المعاهدة والتصديق عليها، كما هو في القانون الدولي العام.
10 - إن المعاهدة يجوز أن يكون الوسيط فيها طرفًا محايدًا، أو طرفًا يقرب بين وجهات النظر كوساطة سيد الأحابيش (الحلس بن علقمة) حليف قريش الأكبر، وطلبت منه قريش أن يكون وسيطًا بينهم وبين المسلمين، وكان الحلس ذا عقل راجح وبصيرة نافذة، وكان سيدًا مطاعًا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرفه ويعرف فيه التأله الشديد والتعظيم للحرم.
وعندما اختارته قريش كانت تطمع في أن يكون لمركزه الممتاز بين العرب, ولما يتمتع به من تقدير لدى النبي صلى الله عليه وسلم, تأثير على الرسول وأصحابه [1].
وهذا ما يقره القانون الدولي، حيث إن المعاهدة قد تعقد بوساطة دولة أخرى ليست طرفًا في النزاع، أو أحد المبعوثين الذي لا علاقة له أو لدولته في النزاع القائم بين طرفي التعاقد.
11 - إن المعاهدة تعتبر نافذة المفعول بمجرد الاتفاق على المعاهدة وشروطها، حتى ولو لم تكتب ولم يوقع عليها الطرفان، وذلك كما حدث لأبي جندل بن سهيل بن عمرو الذي رده الرسول صلى الله عليه وسلم بموجب قبوله عليه السلام بالبند الخامس من المعاهدة، والذي يقول: (على أنه من أتى محمدًا من قريش بغير إذن وليه رده عليهم ... ) فمنذ أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم التزامه بهذا الشرط أجراه ولو لم تكن المعاهدة قد كتبت بعد، ولم يوقع عليها الطرفان.
12 - إن المعاهدة تكتب من نسختين، ويأخذ كل طرف نسخة طبق الأصل من المعاهدة، حيث إنه بعد أن تمت إجراءات الصلح النهائية في الحديبية أخذ كل
من الفريقين نسخة من وثيقة الصلح التاريخية، وانصرف الوفد القرشي راجعًا إلى مكة [2].
ثانيًا: موقف أبي جندل والوفاء بالعهد:
إن من أبلغ دروس صلح الحديبية درس الوفاء بالعهد, والتقيد بما يفرضه شرف الكلمة من الوفاء بالالتزامات التي يقطعها المسلم على نفسه، وقد ضرب رسول
الله صلى الله عليه وسلم بنفسه أعلى مثل في التاريخ القديم والحديث، لاحترام كلمة لم تكتب, واحترام كلمة تكتب كذلك, وفي الجد في عهوده، وحبه للصراحة والواقعية، وبغضه التحايل والالتواء والكيد، وذلك حينما كان يفاوض (سهيل بن عمرو) في الحديبية، حيث جاءه ابن سهيل يرسف في الأغلال، وقد فر من مشركي مكة، وكان أبوه يتفاوض مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان هذا الابن ممن آمنوا بالإسلام جاء مستصرخًا [1] انظر: صلح الحديبية، باشميل، ص199، 200. [2] انظر: المعاهدات في الشريعة الإسلامية، ص273.
اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 677