responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 650
وعلى كل حال, فالعبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب، فهذا الحكم باقٍ حتى يومنا هذا، وأدل دليل على ذلك، ما أجمع عليه المسلمون من وجود حكم الحرابة في الإسلام، سواء كانت الآية نزلت في الكفار أم في المسلمين، وهذه الآية نازلة في المشركين كما في البخاري، فدل ذلك على أن العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب.
وكون المثلة منسوخة أو منهيًا عنها, وأن النبي صلى الله عليه وسلم سمل أعين العرنيين، لا يستدل به في هذه القضية, لكون العرنيين سملوا أعين الرعاة فصار سمل النبي صلى الله عليه وسلم لهم قصاصًا لا مثلة [1].
إن حادثة العرنيين ترتب عليها تنفيذ حكم الحرابة, ونزول آيات بينات في هذا الحكم، فقد حصر المولى عز وجل جزاء المحاربين في أربعة أمور, وكان ذلك الحصر بأقوى أدوات الحصر.
ثم إنه وصف هؤلاء المحاربين بأوصاف يشمئز منها كل عاقل، ذلك أنه وصفهم بأنهم حرب لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم, وأنهم يريدون إفساد الأرض بتخويف سكانها، وتقتيلهم وسلبهم ونهب ممتلكاتهم ظلمًا وجورًا لا مستند لهم ولا باعث إلا الإفساد والطغيان، فكانت رحمة الله تعالى الرحيم بهم وغيرهم من خلقه مقتضية الحكم عليهم بواحد من أمور أربعة وهي: القتل، والصلب، وقطع الأيدي، والأرجل من خلاف، والإبعاد من مخالطة العامة، وعزلهم عنها بالنفي والتغريب حتى لا تتكرر منهم تلك الجرائم الشنيعة, وحتى يرتدع غيرهم من ارتكاب مثل هذا الجرم الشنيع، ولكي يطهرهم ما يوقع بهم من عقاب من الذنوب والآثام, إن هم تابوا ورجعوا إلى رشدهم وصوابهم.
ثم إن هؤلاء لهم ذلة ومهانة في الحياة الدنيا لأذيتهم المسلمين, وقد علل تعالى لحوق تلك الرذيلة بهم مدة الحياة الدنيا بسبب ما اقترفوه من جريمة الحرابة، وباقية معهم إلى يوم القيامة، لكن الرب جل وعلا أعد لهؤلاء في الآخرة عذابًا عظيمًا.
ثم استثنى جل وعلا من هؤلاء من أناب إليه ورجع في أسلوب حكيم مؤثر داعٍ إلى رجوعهم وتوبتهم من هذه الجريمة المنكرة، فلقد عفا عنهم تعالى إذا ما رجعوا وجاءوا تائبين قبل القدرة عليهم، لكون تلك التوبة مظنة لصدقهم في توبتهم ورجوعهم عن غيهم؛ لأنهم رجعوا قبل القدرة عليهم، وبتقييد العفو عنهم بتوبتهم قبل القدرة عليهم يفهم أنهم إن قدر عليهم قبل التوبة لا ينالون من العفو ما ينالونه لو تابوا قبل القدرة عليهم. وهذا نوع من العلاج في غاية الدقة والإنصاف، وفيه من الحفز على التقليل من هذه الجريمة وتركها ما لا يخفى على ذي عقل لبيب.

[1] انظر: علاج القرآن الكريم للجريمة، د. عبد الله الشنقيطي، ص297، 298.
اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 650
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست