اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 631
تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) [الأحزاب: [5]].
فقد نفى الله سبحانه وتعالى الجناح (الإثم) عمن أخطأ في نسبة الابن إلى غير أبيه في الحقيقة، وذلك بعد الاجتهاد واستفراغ الوسع أو نسي فنسب الابن إلى غير أبيه بجريان لسانه بذلك، وأثبت الحرج والإثم لمن تعمد الباطل وهو دعوة الرجل لغير أبيه بعد علمه بتحريم ذلك [1].
كانت عادة التبني مستحكمة في نفوس الناس، وقد أخذت أبعادها مع مرور الزمن فكان زواج النبي صلى الله عليه وسلم بالسيدة زينب إلغاءً عمليًّا وليس إلغاء ذهنيًّا فحسب [2].
إن الحكمة في زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من السيدة زينب حكمة واضحة وظاهرة، وقد بينها الله تعالى بقوله عز وجل: (لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً) [الأحزاب: 37].
وقد ذكر المبطلون من الكفار وفروخهم ومقلدوهم بما ينعقون به، ويردده الجهال متعلقين بروايات مكذوبة خلاصتها كما يفترون أن النبي صلى الله عليه وسلم قد هوي زينب بنت جحش بعد أن تزوجت بزيد بن حارثة، فلما علم زيد بذلك أراد طلاقها ليتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم [3] , فهذا قول باطل، وقد نسف الإمام ابن العربي هذا القول من جذوره فقال: فأما قولكم: إن النبي صلى الله عليه وسلم رآها أي رأى زينب بنت جحش فوقعت في قلبه، فباطل, فإنه كان صلى الله عليه وسلم معها في كل وقت وموضع، ولم يكن حينئذ حجاب، فكيف تنشأ معه وينشأ معها، ويلحظها في كل ساعة ولا تقع في قلبه إلا إذا كان لها زوج؟ حاشا لذلك القلب المطهر من هذه العلاقة الفاسدة، وقد قال تعالى: (وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) [طه:131] والنساء أفتن الزهرات فيخالف هذا في المطلقات فكيف في المنكوحات؟ ثم إن قوله تعالى: (وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ) [الأحزاب: 37] يعني من نكاحك لها وهو الذي أبداه لا سواه أقول: فلو كان الذي أخفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو حبه لها لأبداه الله تعالى وأظهره فتيقنا أن الذي أخفاه رسول الله من أمر زينب هو نكاحه إياها وليس ما تخيله المبطلون من حبه لها [4].
إن الشرع أراد تأكيد إبطال نظام التبني وإبطال كل نتائجه وتعميق هذا الإبطال في النفوس وتأكيده بالتطبيق العملي، والقدوة والتأسي بمن يقتدي به في تطبيق هذه الأحكام الجديدة الناسخة، وهذا ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم بزواجه بزينب بأمر من الله تعالى العزيز الحكيم [5]. [1] انظر: قضايا نساء النبي والمؤمنات، ص191، 192. [2] انظر: من معين السيرة، ص311. [3] انظر: المفصل في أحكام المرأة, عبد الكريم زيدان (11/ 474، 475). [4] انظر: أحكام القرآن لابن العربي (3/ 1531، 1532). [5] انظر: المفصل في أحكام المرأة (11/ 476).
اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 631