اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 629
استطاعته البقاء مع زينب، ورسول الله يأمره بإمساك زوجه مع تقوى الله في شأنها، حتى أذن الله بالطلاق فطلقها زيد، وانفصمت العلاقة بينهما بعد أن قضى زيد وطره، وبعد أن مكث معها ما يقرب من سنة، قال ابن كثير: فمكثت عنده قريبًا من سنة أو فوقها، ثم وقع بينهما (يعني الخلاف) فجاء زيد يشكوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: «أمسك عليك زوجك واتقِ الله» [1].
لم يبقَ لزيد رغبة في إبقاء العلاقة الزوجية معها؛ لأنه كان كريم النفس لا يريد أن يبني سعادته وراحته على شقاء الآخرين وتعاستهم والإضرار بهم؛ ولهذا صمم على الفراق وعدم الإضرار بها؛ لأنها كانت تعيش في قلق واضطراب, وانتهى زواج زيد بن حارثة - رضي الله عنه - بزينب بنت جحش على هذا الوضع دون أي تدخل خارجي بينهما، ووقع ذلك الطلاق بمحض اختياره وإرادته، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهاه عن ذلك، ويأمره بتقوى الله وإمساك زوجته [2]. قال ابن كثير بعد أن ذكر هذا السبب: (ذكر ابن أبي حاتم وابن جرير آثارًا عن بعض السلف رضي الله عنهم أحببنا أن نضرب عنها صفحًا لعدم صحتها فلا نوردها) [3].
رابعًا: الحكمة من زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من زينب:
كانت عادة التبني متغلغلة في نفوس الناس ومشاعرهم، وليس من السهل التغلب عليها وإلغاء الآثار المترتبة عليها، هذه العادة في صدر الإسلام في مكة وفي أول الهجرة إلى المدينة، ثم شاء الله تعالى فنزلت الآيات في نفي أن يكون الأدعياء أبناء لمن ادَّعاهم في الحقيقة، وإنما ذلك حسب دعوى المدعي فقط، وذلك لا يغير من الواقع شيئًا, فقال تعالى: (مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) [الأحزاب: [4]].
ثم أمر تبارك وتعالى برد نسبهم إلى آبائهم في الحقيقة، فهذا من العدل والقسط والبر، فقال تعالى: (ادْعُوهُمْ لآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)
فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (إن زيد بن حارثة - رضي الله عنه - مولى رسول
الله صلى الله عليه وسلم ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد، حتى نزل القرآن) [4]. [1] انظر: تفسير القرآن العظيم (3/ 491). [2] انظر: قضايا نساء النبي والمؤمنات، ص209. [3] انظر: تفسير القرآن العظيم (3/ 491). [4] البخاري في التفسير باب (ادْعُوهُمْ لآَبَائِهِمْ) (3/ 276) رقم 4782.
اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 629