اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 554
ب- الرعب جند من جند الله: قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللهِ فَأَتَاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأبْصَارِ - وَلَوْلاَ أَن كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاَءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآَخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ - ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِّ اللهَ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الحشر: 2 - 4].
إن المتأمل في هذه الآيات الكريمة يتبين له أن الله هو الذي أخرج يهود بني النضير من ديارهم إلى الشام، حيث أول الحشر في حين أن كل الأسباب المادية معهم حتى اعتقدوا أنه لا أحد يستطيع أن يخرجهم من حصونهم لمتانتها وقوتها.
لكن الله فاجأهم من حيث لم يحتسبوا, جاءهم من قلوبهم التي لم يتوقعوا أنهم يهزمون بها, فقذف فيها الرعب فإذا بهم يهدمون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين، وهذا الأسلوب القرآني الفريد يربي الأمة بالأحداث والوقائع, وهو يختلف تماما عن طريقة أهل السير، ويمتاز بأنه يكشف الحقائق ويوضح الخفايا، ويربط الأحداث بفاعلها الحقيقي وهو رب العالمين، ومن ذلك أنها بينت أن الذي أخرج بني النضير هو الله جل جلاله: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ).
واستمرت الآية الكريمة تبين أن يهود بني النضير حسبوا كل شيء وأحاطوا بجميع الأسباب الأرضية، لكن جاءتهم الهزيمة من مكان اطمأنوا إليه وهو أنفسهم, فإذا الرعب يأتي من داخلهم، فإذا بهم ينهارون في أسرع لحظة، لذلك يجب على كل إنسان عاقل أن يعتبر بهذه الغزوة، وأن يعرف أن الله هو المتصرف في الأمور، وأنه لا تقف أمام قدرته العظيمة لا الأسباب ولا المسببات، فهو القادر على كل شيء، فعلى الناس أن يؤمنوا به تعالى ويصلحوا أمرهم، فإذا اتبعوا أمر الله أصلح الله لهم كل شيء، وأخرج أعداءهم من حيث لم يحتسبوا.
إن هذه الغزوة درسٌ للأمة في جميع عصورها تذكرهم أن طريق النصر قريب وهو الرجوع إلى الله والاعتماد عليه والتسليم لشريعته، وتقديره حق قدره، فإذا عرف ذلك المؤمنون نصرهم الله ولو كان عدوهم قويًا وكثيرًا, فإن الله لا يعجزه شيء، وأقرب شاهد واقعي لذلك هو إجلاء بني النضير, وهي عبرة فليُعتبر بها، والسعيد من اعتبر بغيره.
ثم أوضح سبحانه أنه لو لم يعاقبهم بالجلاء لعذبهم في الدنيا بالقتل, أما في الآخرة فلهم عذاب النار [1]. [1] انظر: حديث القرآن الكريم (1/ 270، 271).
اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 554