اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 511
الشباب، كما أنها لم تخرج إلى المعركة إلا مع زوجها وابنيها الذين كانوا من الجند الذين قاتلوا في المعركة، يضاف إلى هذا الرصيد الهائل الذي لديها من المناعة الخلقية والتربية الدينية، فلا يقاس على هذه الصحابية الجليلة مجندات هذا الزمان اللواتي يرتدين لباس الميدان وعنصر الإغراء والفتنة هو أهم عنصر يتميزن به ويحرصن على إظهاره للرجال فأين الثرى من الثريا؟
كذلك رجال ذلك العصر لا يقاس عليهم أحد من رجال هذا الزمان من ناحية الشهامة والاستقامة والعفة والرجولة، فكل المحاربين الذين اشتركت معهم امرأة في معركة أحد كانوا صفوة الأمة الإسلامية ورمز نبلها وشهامتها وعنوان رجولتها واستقامتها، فلا يصح مطلقًا جعل اشتراك تلك المرأة في معركة أحد قاعدة تقاس عليها (من الناحية الشرعية) إباحة تجنيد المرأة في هذا العصر لتقاتل بجانب الرجل (كعنصر أساسي من عناصر الجيش) , فالقياس في هذه الحالة قياس مع الفارق وهو قياس باطل قطعًا [1].
سابعًا: دروس في الصبر تقدمها الصحابيات للأمة:
أ- صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها:
لما استُشهد أخوها حمزة بن عبد المطلب - رضي الله عنه - في أحد وجاءت لتنظر إليه وقد مثل به المشركون؛ فجدعوا أنفه وبقروا بطنه، وقطعوا أذنيه ومذاكيره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنها الزبير بن العوام: «القها فأرجعها، لا ترى ما بأخيها» فقال لها: يا أمه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن ترجعي، قالت: ولم؟ وقد بلغني أنه قد مُثل بأخي، وذلك في الله، فما أرضانا بما كان من ذلك، لأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله.
فلما جاء الزبير بن العوام - رضي الله عنه - إلى رسول الله فأخبره بذلك، قال: «خلِّ سبيلها» فأتته فنظرت إليه، فصلت عليه واسترجعت [2] , واستغفرت له [3].
ب- حمنة بنت جحش رضي الله عنها:
لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من دفن أصحابه -رضي الله عنهم- ركب فرسه وخرج المسلمون حوله راجعين إلى المدينة، فلقيته حمنة بنت جحش، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا حمنة: «احتسبي» قالت: من يا رسول الله؟ قال: «أخوك عبد الله بن جحش» قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون, غفر الله له, هنيئًا له الشهادة, ثم قال لها: «احتسبي» قالت: من يا رسول الله؟ قال: «خالك حمزة بن عبد المطلب» قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، غفر الله له، هنيئا له الشهادة، ثم قال لها: «احتسبي» قالت: من يا رسول الله؟ قال: «زوجك مصعب بن عمير»، قالت: واحزناه، وصاحت وولولت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن زوج المرأة منها لبمكان» [1] انظر: غزوة أحد، محمد باشميل، ص171: 173. [2] استرجعت، قال: إنا لله وإنا إليه راجعون. [3] انظر: السيرة النبوية لابن هشام (3/ 108).
اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 511