اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 502
حزبه وجنده. ولم يأمرهم بإجابته حين قال: أفيكم محمد؟ أفيكم ابن أبي قحافة؟ أفيكم عمر؟ بل روي أنه نهاهم عن إجابته، وقال: لا تجيبوه؛ لأن كَلْمَهم لم يكن برد في طلب القوم، ونار غيظهم بعد متوقدة، فلما قال لأصحابه: أما هؤلاء فقد كفيتموهم، حمي عمر بن الخطاب واشتد غضبه وقال: كذبت يا عدو الله، فكان في هذا الإعلام من الإذلال، والشجاعة وعدم الجبن، والتعرف إلى العدو في تلك الحال، ما يؤذيهم بقوة القوم وبسالتهم, وأنهم لم يهنوا ولم يضعفوا، وأنه وقومه جديرون بعدم الخوف منهم وقد أبقى الله لهم ما يسؤوهم منهم، وكان في الإعلام ببقاء هؤلاء الثلاثة بعد ظنه، وظن قومه أنهم قد أصيبوا من المصلحة، وغيظ العدو وحزبه، والفت في عضده ما ليس في جوابه حين سأل عنهم واحدًا واحدًا، فكان سؤاله عنهم ونعيهم لقومه آخر سهام العدو كيده، فصبر له النبي صلى الله عليه وسلم حتى استوفى كيده، ثم انتدب له عمر فرد بسهام كيده عليه، وكان ترك الجواب عليه أحسن، وذكره ثانيًا أحسن، وأيضا فإن في ترك إجابته حين سأله عنهم إهانة له، وتصغيرًا لشأنه، فلما منته نفسه موتهم, وظن أنهم قد قتلوا، وحصل له بذلك من الكبر والأشر ما حصل، كان في جوابه إهانة له، وتحقير وإذلال, ولم يكن هذا مخالفًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم «لا تجيبوه» فإن إنما نهى عن إجابته حين سأل: أفيكم محمد؟ أفيكم فلان؟ ولم ينه عن إجابته حين قال: أما هؤلاء فقد قتلوا، وبكل حال فلا أحسن من ترك إجابته أولاً، ولا أحسن من إجابته ثانيًا [1].
ثانيًا: تفقد الرسول صلى الله عليه وسلم الشهداء:
بعد أن انسحب أبو سفيان من أرض المعركة ذهب الرسول صلى الله عليه وسلم ليتفقد أصحابه رضي الله عنهم، فمر على بعضهم، ومنهم حمزة بن عبد المطلب، ومصعب بن عمير، وحنظلة بن أبي عامر، وسعد بن الربيع والأصيرم، وبقية الصحابة رضي الله عنهم، فلما أشرف عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أنا شهيد على هؤلاء, إنه ما من جريح يجرح في الله إلا والله بعثه يوم القيامة، يدمي جرحه, اللون لون دم، والريح ريح المسك، انظروا أكثر هؤلاء جمعًا للقرآن، فاجعلوه أمام أصحابه في القبر» [2].
وقال جابر بن عبد الله في رواية البخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول: «أيهم أكثر أخذًا للقرآن؟» فإذا أشير له إلى واحد قدمه في اللحد، وقال: «أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة»، وأمر بدفنهم بدمائهم، ولم يصل عليهم، ولم يغسلوا [3].
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدفنوا حيث صرعوا، وأعيد من أخذ ليدفن داخل المدينة. [1] انظر: زاد المعاد (3/ 202، 203). [2] انظر: السيرة النبوية لابن هشام (3/ 109). [3] البخاري، كتاب المغازي، رقم 4079.
اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 502