اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 473
ثالثًا: الاستخبارات النبوية تتابع حركة العدو:
كان العباس بن عبد المطلب يرقب حركات قريش واستعداداتها العسكرية، فلما تحرك هذا الجيش بعث العباس رسالة مستعجلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ضمنها جميع تفاصيل الجيش، وأسرع رسول العباس بإبلاغ الرسالة وجد في السير, حتى إنه قطع الطريق بين مكة والمدينة، التي تبلغ مساحتها خمسمائة كيلومتر، في ثلاثة أيام وسلم الرسالة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مسجد قباء [1].
كان النبي صلى الله عليه وسلم يتابع أخبار قريش بدقة بواسطة عمه العباس، قال ابن عبد البر: (وكان - رضي الله عنه - يكتب بأخبار المشركين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكان المسلمون يتقوون به بمكة، وكان يحب أن يقدم على رسول الله فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن مقامك في مكة خير) [2].
كانت المعلومات التي قدمها العباس لرسول الله صلى الله عليه وسلم دقيقة فقد جاء في رسالته: (أن قريشًا قد أجمعت المسير إليك, فما كنت صانعًا إذا حلوا بك فاصنعه، وقد توجهوا إليك وهم ثلاثة آلاف وقادوا مائتي فرس وفيهم سبعمائة دارع وثلاثة آلاف بعير, وأوعبوا [3] من السلاح) [4].
فقد احتوت هذه الرسالة على أمور مهمة منها:
1 - معلومات مؤكدة عن تحرك قوات المشركين نحو المدينة.
2 - حجم الجيش وقدراته القتالية, وهذا يعين على وضع خطة تواجه هذه القوات الزاحفة.
لم يكتف النبي صلى الله عليه وسلم بمعلومات المخابرات المكية، بل حرص على أن تكون معلوماته عن هذا العدو متجددة مع تلاحق الزمن، وفي هذا إرشاد لقادة المسلمين بأهمية متابعة الأخبار التي يتولد عنها وضع خطط وإستراتيجيات نافعة، ولذلك أرسل صلى الله عليه وسلم الحباب بن المنذر بن الجموح إلى قريش يستطلع الخبر، فدخل بين جيش مكة وحزر عَدَده وعُدَده ورجع, فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما رأيت؟» قال: رأيت أي رسول الله عددًا، حزرتهم ثلاثة آلاف يزيدون قليلا أو ينقصون قليلا، والخيل مائتي فرس، ورأيت دروعًا ظاهرة حزرتها سبعمائة درع، قال: «هل رأيت ظعنًا؟» قال: رأيت النساء معهن الدفاف والأكبار [5] ... فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أردن أن يحرضن القوم ويذكرونهم قتلى بدر، هكذا جاءني خبرهم لا تذكر من شأنهم حرفًا, حسبنا الله ونعم الوكيل، اللهم بك أجول وبك أصول» [6]. [1] انظر: الرحيق المختوم للمباركفوري، ص250. [2] انظر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب (2/ 812). [3] أوعبوا: خرجوا بجميع ما عندهم من السلاح. [4] انظر: مغازي الواقدي (1/ 204). [5] الأكبار: جمع كبر: والكبر هو: الطبل الذي له وجه واحد وهو فارسى معرب. [6] انظر: مغازي الواقدي (1/ 207، 208).
اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 473