اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 430
وبمقتل هذين المجرمين تعلم المسلمون أن بعض الطغاة العتاة المعادين لا مجال للتساهل معهم، فهم زعماء الشر وقادة الضلال، فلا هوادة معهم؛ لأنهم تجاوزوا حد العفو والصفح [1] بأعمالهم الشنيعة، فقد كان هذان الرجلان من شر عباد الله وأكثرهم كفرًا وعنادًا وبغيًا وحسدًا وهجاء للإسلام وأهله [2].
جـ- الوصية بإكرام الأسرى جانب من المنهج النبوي الكريم: ولما رجع صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فرَّق الأسرى بين أصحابه، وقال لهم: «استوصوا بهم خيرًا» [3] وبهذه التوصية النبوية الكريمة ظهر تحقيق قول الله تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) [الإنسان: 8]. فهذا أبو عزيز بن عمير أخو مصعب بن عمير يحدثنا عما رأى قال: كنت في الأسرى يوم بدر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استوصوا بالأسارى خيرًا»، وكنت في نفر من الأنصار, فكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم أكلوا التمر، وأطعموني البُرَّ لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم [4].
وهذا أبو العاص بن الربيع يحدثنا قال: كنت في رهط من الأنصار جزاهم الله خيرًا، كنا إذا تعشينا أو تغدينا آثروني بالخبز وأكلوا التمر, والخبز معهم قليل، والتمر زادهم, حتى إن الرجل لتقع في يده كسرة فيدفعها إليَّ، وكان الوليد بن الوليد بن المغيرة يقول مثل ذلك ويزيد، وكانوا يحملوننا ويمشون [5].
كان هذا الخلق الرحيم الذي وضع أساسه القرآن الكريم في ثنائه على المؤمنين، وذكر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فاتخذوه خلقًا، وكان لهم طبيعة, قد أثر في إسراع مجموعة من أشراف الأسرى وأفاضلهم إلى الإسلام، فأسلم أبو عزيز عقيب بدر, بُعيد وصول الأسرى إلى المدينة, وتنفيذ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأسلم معه السائب بن عبيد [6] بعد أن فدى نفسه، فقد سرت دعوة الإسلام إلى قلوبهم، وطهرت نفوسهم، وعاد الأسرى إلى بلادهم وأهليهم يتحدثون عن محمد صلى الله عليه وسلم ومكارم أخلاقه، وعن محبته وسماحته، وعن دعوته وما فيها من البر والتقوى والإصلاح والخير [7]. إن هذه المعاملة الكريمة للأسرى شاهد على سمو الإسلام في المجال الأخلاقي، حيث نال أعداء الإسلام في معاملة الصحابة أعلى درجات مكارم الأخلاق، التي [1] انظر: التربية القيادية (3/ 60). [2] انظر: البداية والنهاية (3/ 306). [3] نفس المصدر (3/ 307) [4] مجمع الزوائد (6/ 86) وقال: رواه الطبراني في الصغير والكبير وإسناده حسن. [5] انظر: المغازي للواقدي (1/ 119). [6] انظر: محمد رسول الله، محمد الصادق عرجون (3/ 474). [7] انظر: محمد رسول الله، عرجون (3/ 473).
اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 430