اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 427
وكذلك أعطى لورثة الشهداء وذويهم نصيبهم من الغنائم؛ وبذلك كان للإسلام السبق في تكريم الشهداء ورعاية أبنائهم وأسرهم من قرابة أربعة عشر قرنًا [1].
ثانيًا: الأسرى:
قال ابن عباس - رضي الله عنه -: ( ... فلما أسروا الأسارى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر: «ما ترون في هؤلاء الأسارى؟» فقال أبو بكر: يا نبي الله هم بنو العم والعشيرة: أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى الله أن يهديهم إلى الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ترى يا ابن الخطاب؟» قال: لا والله يا رسول الله، ما أرى الذي يراه أبو بكر، ولكن أرى أن تمكننا منهم، فنضرب أعناقهم، فتمكن عليًّا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكنني من فلان (نسيبًا لعمر) فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدهم، فهوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر، ولم يهْوَ ما قلتُ, فلما كان من الغد جئت فإذا رسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان، قلت يا رسول الله: أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبكي للذي عرض عليَّ أصحابك من أخذهم الفداء، ولقد عُرِض عليَّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة» -شجرة قريبة من نبي الله صلى الله عليه وسلم- وأنزل الله عز وجل: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ) إلى قوله: (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّبًا) [الأنفال: 67 - 69] فأحل الله لهم الغنيمة [2].
وفي رواية: عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: لما كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما تقولون في هؤلاء الأسرى؟» فقال أبو بكر: يا رسول الله قومك وأهلك، استبقهم واستأْنِ بهم لعل الله أن يتوب عليهم، وقال عمر: يا رسول الله أخرجوك وكذبوك, قرِّبهم فاضرب أعناقهم، وقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله انظر واديًا كثير الحطب، فأدخلهم فيه ثم اضرم عليهم نارًا، فقال العباس: قطعت رحمك، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرد عليهم شيئًا، فقال ناس: يأخذ بقول أبي بكر، وقال ناس: يأخذ بقول عمر، وقال ناس: يأخذ بقول عبد الله بن رواحة، فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إن الله ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله ليشد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة، وإن مثلك يا أبا بكر، كمثل إبراهيم عليه السلام قال: (فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) ومثلك يا أبا بكر كمثل عيسى قال: (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [المائدة: 118] , وإن مثلك يا عمر كمثل نوح إذ قال: (رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا) [نوح: 26]. وإن مثلك يا عمر كمثل موسى قال: (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ) [يونس: 88]. ثم قال صلى الله عليه وسلم: «أنتم عالة، فلا ينفلتن منهم أحد إلا بفداء أو ضرب عنق». [1] انظر: السيرة النبوية لأبي شهبة (2/ 176). [2] مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر، وإباحة الغنائم (3/ 1763).
اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 427