اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 329
«من تشبه بقوم فهو منهم» [1] وقال: «لا تشبهوا باليهود» [2] والأحاديث في ذلك كثيرة وهي تفيد معنى تميز المسلمين واستعلائهم على غيرهم، ولا شك أن التشبه والمحاكاة للآخرين يتنافى مع الاعتزاز بالذات والاستعلاء على الكفار، ولكن هذا التميز والاستعلاء لا يشكل حاجزًا بين المسلمين وغيرهم، فكيان الجماعة الإسلامية مفتوح وقابل للتوسع ويستطيع الانضمام إليه من يؤمن بعقيدته [3].
واعتبرت الصحيفة اليهود جزءا من مواطني الدولة الإسلامية، وعنصراً من عناصرها ولذلك قيل في الصحيفة: «وأن من تبعنا من يهود، فإن له النصر والأسوة، غير مظلومين، ولا متناصر عليهم» (المادة 16) ثم زاد هذا الحكم إيضاحا في المادة (25) وما يليها، حيث نص فيها صراحة بقوله: (وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين ... ).
وبهذا نرى أن الإسلام قد اعتبر أهل الكتاب الذين يعيشون في أرجائه مواطنين، وأنهم أمة مع المؤمنين، ما داموا قائمين بالواجبات المترتبة عليهم، فاختلاف الدين ليس-بمقتضى أحكام الصحيفة- سبباً للحرمات من مبدأ (المواطنة) [4].
2 - المرجعية العليا لله ورسوله:
جعلت الصحيفة الفصل في كل الأمور بالمدينة يعود إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فقد نصت على مرجع فض الخلاف في المادة (23)، وقد جاء فيها: «وأنكم مهما اختلفتم فيه من شيء، فإن مرده إلى الله وإلى محمد صلى الله عليه وسلم» والمغزى من ذلك واضح وهو تأكيد سلطة عليا دينية تهيمن على المدينة وتفصل في الخلافات منعاً لقيام اضطرابات في الداخل من جراء تعدد السلطات، وفي نفس الوقت تأكيد ضمني برئاسة الرسول صلى الله عليه وسلم على الدولة [5] فقد حددت الصحيفة مصدر السلطات الثلاث؛ التشريعية، والقضائية، والتنفيذية، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصاً على تنفيذ أوامر الله من خلال دولته الجديدة، لأن تحقيق الحاكمية لله على الأمة هو محض العبودية لله تعالى؛ لأنه بذلك يتحقق التوحيد ويقوم الدين قال تعالى: (مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) [يوسف: 40].
يعني: «ما الحكم الحق في الربوبية والعقائد والعبادات، والمعاملات إلا لله وحده، يوحيه لمن اصطفاه من رسله، لا يمكن لبشر أن يحكم فيه برأيه وهواه، ولا بعقله واستدلاله، [1] انظر: السيرة النبوية الصحيحة (1/ 293). [2] نفس المصدر (1/ 293). [3] انظر: نظام الحكم، ظافر القاسمي (1/ 37). [4] انظر: التاريخ السياسي والحضاري، السيد عبد العزيز، ص102. [5] انظر: تفسير المنار (12/ 309).
اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 329