responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 248
5 - سرعان ما استجاب قائد الأنصار دون تردد البراء بن معرور, قائلا: والذي بعثك بالحق لنمنعنك مما نمنع منه أزرنا, فبايعنا يا رسول الله، فنحن والله أبناء الحرب, وأهل الحلقة، ورثناها كابرًا عن كابر، فهذا زعيم الوفد يعرض إمكانيات قومه على رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقومه أبناء الحرب والسلاح [1]، ومما تجدر الإشارة إليه في أمر البراء أنه عندما جاء مع قومه من يثرب قال لهم: إني قد رأيت رأيًا فوالله ما أرى أتوافقوني عليه أم لا؟
فقالوا: وما ذاك؟ قال: قد رأيت أن لا أدع هذه البنية -يعني الكعبة- مني بظهر، وأن أصلي إليها، فقالوا له: والله ما بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إلا إلى الشام ببيت المقدس، وما نريد أن نخالفه، فكانوا إذا حضرت الصلاة صلوا إلى بيت المقدس، وصلى هو إلى الكعبة، واستمروا كذلك حتى قدموا مكة، وتعرفوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس مع عمه العباس بالمسجد الحرام، فسأل النبيُّ صلى الله عليه وسلم العباسَ: «هل تعرف هذين الرجلين يا أبا الفضل» قال: نعم، هذا البراء بن معرور سيد قومه، وهذا كعب بن مالك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الشاعر؟» قال: نعم, فقص عليه البراء ما صنع في سفره من صلاته إلى الكعبة، قال: فماذا ترى يا رسول الله؟ قال: «قد كنت على قبلة لو صبرت عليها» [2] قال كعب: فرجع البراء إلى قبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلى معنا إلى الشام، فلما حضرته الوفاة أمر أهله أن يوجهوه قبل الكعبة، ومات في صفر قبل قدومه صلى الله عليه وسلم بشهر، وأوصى بثلث ماله للنبي صلى الله عليه وسلم، فقبله ورده على ولده، وهو أول من أوصى بثلث ماله [3] ويستوقفنا في هذا الخبر:
أ- الانضباط والالتزام من المسلمين بسلوك رسولهم وأوامره، وإن أي اقتراح مهما كان مصدره يتعارض مع ذلك, يعتبر مرفوضًا، وهذه من أولويات الفقه في دين الله، تأخذ حيزها من حياتهم وهم بعد ما زالوا في بداية الطريق.
ب- إن السيادة لم تعد لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن توقير أي إنسان واحترامه, إنما هو انعكاس لسلوكه والتزامه بأوامر الرسول صلى الله عليه وسلم، وهكذا بدأت تنزاح تقاليد جاهلية لتحل محلها قيم إيمانية, فهي المقاييس الحقة التي بها يمكن الحكم على الناس تصنيفًا وترتيبًا [4].
6 - كان أبو الهيثم بن التيِّهان صريحًا عندما قال للرسول صلى الله عليه وسلم: إن بيننا وبين الرجال حبالاً وإنا قاطعوها، يعني اليهود، فهل عسيتم إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله, أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «بل الدم الدم، والهدم الهدم، أنا منكم وأنتم مني أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم»، وهذا الاعتراض يدلنا على الحرية

[1] انظر: التحالف السياسي، ص82.
[2] انظر: السيرة النبوية لأبي شهبة، (1/ 444).
[3] نفس المصدر، (1/ 445).
[4] انظر: معين السيرة النبوية للشامي، ص135.
اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 248
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست