اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 227
الإسراء والمعراج على قدر من رب العالمين، فيعرج به من دون الخلائق جميعًا، ويكرمه على صبره وجهاده، ويلتقي به مباشرة دون رسول ولا حجاب، ويطلعه على عوالم الغيب دون الخلق
كافة، ويجمعه مع إخوانه من الرسل في صعيدٍ واحد, فيكون الإمام والقدوة لهم وهو
خاتمهم وآخرهم [1].
2 - إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان مُقدمًا على مرحلة جديدة، مرحلة الهجرة، والانطلاق لبناء الدولة، يريد الله تعالى لِلَّبِنَات الأولى في البناء أن تكون سليمة قوية متراصة متماسكة، فجعل الله هذا الاختبار والتمحيص، ليخلص الصف من الضعاف المترددين، والذين في قلوبهم مرض، ويثبت المؤمنين الأقوياء الخلص الذين لمسوا عيانا صدق نبيهم بعد أن لمسوه تصديقًا، وشهدوا مدى كرامته على ربه، فأي حظ يحوطهم وأي سعد يغمرهم وهم حول هذا النبي المصطفى وقد آمنوا به, وقدموا حياتهم فداء له ولدينهم، كم يترسخ الإيمان في قلوبهم أمام هذا الحدث الذي تم بعد وعثاء الطائف، وبعد دخول مكة بجوارٍ وبعد أذى الصبيان والسفهاء [2].
3 - إن شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم العالية تتجسد في مواجهته للمشركين بأمر تنكره عقولهم ولا تدركه في أول الأمر تصوراتهم, ولم يمنعه من الجهر به الخوف من مواجهتهم, وتلقي نكيرهم واستهزائهم فضرب بذلك صلى الله عليه وسلم لأمته أروع الأمثلة في الجهر بالحق أمام أهل الباطل, وإن تحزبوا ضد الحق وجندوا لحربه كل ما في وسعهم، وكان من حكمة النبي صلى الله عليه وسلم في إقامة الحجة على المشركين بأن حدثهم عن إسرائه إلى بيت المقدس، وأظهر الله له علامات تلزم الكفار بالتصديق وهذه العلامات هي:
* وصف النبي صلى الله عليه وسلم بيت المقدس، وقد أقروا بصدق الوصف ومطابقته للواقع الذي يعرفونه.
* إخباره عن العير التي بالروحاء، والبعير التي أضلوه، وما قام به من شرب الماء الذي في القدح.
* إخباره عن العير الثانية التي نفرت فيها الإبل ووصفه الدقيق لأحد جمالهم.
* إخباره عن العير الثالثة التي بالأبواء ووصفه الجمل الذي يقدمها، وإخباره
بأنها تطلع ذلك الوقت من ثنية التنعيم، وقد تأكد المشركون فوجدوا أن ما أخبرهم به الرسول صلى الله عليه وسلم كان صحيحًا فهذه الأدلة الظاهرة كانت مفحمة لهم ولا يستطيعون معها أن يتهموه بالكذب، كانت هذه الرحلة العظيمة, تربية ربانية رفيعة المستوى, وأصبح صلى الله عليه وسلم يرى الأرض كلها بما فيها من مخلوقات نقطة صغيرة في ذلك الكون الفسيح، ثم ما مقام كفار مكة في هذه النقطة؟ إنهم لا يمثلون إلا جزءًا يسيرًا جدًا من هذا الكون، فما الذي سيفعلونه تجاه من اصطفاه الله تعالى من خلقه, وخصه بتلك الرحلة العلية الميمونة [1] انظر: التربية القيادية، (1/ 447). [2] انظر: التربية القيادية، (1/ 451).
اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 227