اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 215
عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال، فسلم علي ثم قال: يا محمد فقال: ذلك فيما شئت, إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين».
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشركُ به شيئًا» [1].
كانت إصابته صلى الله عليه وسلم يوم أحد أبلغ من الناحية الجسمية، أما من الناحية النفسية, فإن إصابته يوم الطائف أبلغ وأشد؛ لأن فيها إرهاقًا كبيرًا لنفسه ومعاناة فكرية شديدة جعلته يستغرق في التفكير من الطائف إلى قرن الثعالب [2].
وإنا لنلمح في هذا الدعاء عمق توحيد النبي صلى الله عليه وسلم ومبلغ تجرده لله جل وعلا، فرضوان الله تعالى إذن هو الهدف الأعلى عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المطلب الأعظم الذي تسخر له كل المطالب، وإذا كان البلاء من الله تعالى, من أجل أن يحل رضاه وينجلي سخطه فحيهلا بالبلاء، وهو ساعتئذ نعمة ورخاء.
ثم يختم رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاءه بالكلمة العظيمة التي يقولها, وعلم أصحابه أن يقولوها عند حلول المكاره «ولا حول ولا قوة إلا بك» فلا تحول للمؤمن من حال الشدة إلى حال الرخاء، ولا من الخوف إلى الأمن إلا بالله تعالى، ولا قوة على مواجهة الشدائد وتحمل المكاره إلا بالله جل وعلا [3].
إن الدعاء من أعظم العبادات، وهو سلاح فعال في مجال الحماية للإنسان, وتحقيق أمنه، فمهما بلغ العقل البشري من الذكاء والدهاء, فهو عرضة للزلل والإخفاق، وقد تمر على المسلم مواقف يعجز فيها عن التفكير والتدبير تمامًا، فليس له مخرج منها سوى أن يجأر إلى الله بالدعاء، ليجد فرجا ومخرجًا، فعندما لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل الطائف الأذى والطرد والسخرية والاستهزاء وأصبح هائما على وجهه، لجأ إلى الله بالدعاء فما أن انتهى من الدعاء حتى جاءت الإجابة من رب العالمين مع جبريل وملك الجبال [4].
5 - من مناهج التغيير:
كان مقترح ملك الجبال أن يطبق عليهم الأخشبين, وهو يدخل تحت أسلوب الاستئصال، وقد نفذ في قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط قال تعالى: (فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [العنكبوت: 40]. [1] صحيح البخاري رقم 3231. [2] انظر: التاريخ الإسلامي للحميدي، (3/ 26، 27). [3] انظر: التاريخ الإسلامي للحميدي (3/ 20). [4] انظر: السيرة النبوية جوانب الحيطة والحذر، ص112، 113.
اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 215