اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 211
أَلِيمٌ - قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ - أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ - يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللهِ إِذَا جَاءَ لاَ يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ - قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَارًا - فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلاَّ فِرَارًا - وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا - ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا - ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا) [نوح: [1] - 9]
ومع امتداد الزمن الطويل، ما توقف عن الدعوة, ولا ضعُفت همته في تبليغها، ولا ضعُفت بصيرته وحيلته في تنويع أوقاتها وأساليبها، قال الآلوسي في تفسيره (رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي) أي إلى الإيمان والطاعة (لَيْلاً وَنَهَارًا) أي دائمًا من غير فتور ولا توانٍ، ثم وصف إعراضهم الشديد، وإصرارهم العنيد، ثم علق على قوله تعالى: (ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا) فقال: أي دعوتهم مرة بعد مرة، وكرة غِبَّ كرة، على وجوه مختلفة وأساليب متفاوتة، وهو تعميم لوجوه الدعوة, بعد تعميم الأوقات، وقوله (ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا) يشعر بمسبوقية الجهر بالسر، وهو الأليق بمن همه الإجابة؛ لأنه أقرب إليها لما فيه من اللطف بالمدعو [1].
فكان النبي صلى الله عليه وسلم ينوع ويبتكر في أساليب الدعوة, ودعا سرًا وجهرًا، وسلمًا وحربًا، وجمعًا، وفردًا، وسفرًا وحضرًا، كما أنه عليه الصلاة والسلام قص القصص، وضرب الأمثال، واستخدم وسائل الإيضاح بالخط على الأرض وغيره, كما رغب وبشر، ورهب وأنذر، ودعا في كل آنٍ، وعلى كل حال وبكل أسلوب مؤثر فعَّال [2] فها هو عليه الصلاة والسلام ينتقل إلى الطائف، ثم يتردد على القبائل، ثم يهاجر ويستمر في دعوة الخلق إلى الله تعالى.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسعى لإيجاد مركز جديد للدعوة، وطلب النصرة من ثقيف لكنها لم تستجب له، وأغرت به صبيانها فرشقوه بالحجارة، وفي طريق عودته من الطائف التقى بعدَّاس الذي كان نصرانيًّا فأسلم، وأرخ الواقدي الرحلة في شوال سنة عشر من المبعث بعد موت أبي طالب وخديجة، وذكر أن مدة إقامته بالطائف كانت عشرة أيام [3].
1 - لماذا اختار الرسول صلى الله عليه وسلم الطائف؟
كانت الطائف تمثل العمق الإستراتيجي لملأ قريش، بل كانت لقريش أطماع في الطائف، ولقد حاولت في الماضي أن تضم الطائف إليها، ووثبت على وادي وج وذلك لما فيه من الشجر والزرع، حتى خافتهم ثقيف وحالفتهم, وأدخلت معهم بني دوس [4]، وقد كان كثير [1] انظر: تفسير الآلوسي (10/ 89). [2] انظر: مقومات الدعوة والداعية، بادحدح، ص123. [3] طبقات ابن سعد (1/ 221) نقلا عن السيرة النبوية الصحيحة (1/ 185). [4] انظر: فتح الباري، كتاب الكفالة (4/ 373 شرح - ح - رقم 2294).
اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 211