responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 152
الخلق الكريم، وكان يمكنهما وقد أعتقتا وتحررتا من الظلم, أن تدعا لها طحينها يذهب أدراج الرياح، أو يأكله الحيوان والطير، ولكنهما أبتا، تفضلاً, إلا أن تفرغا منه وترداه إليها [1].
ومر الصديق بجارية بني مؤمل, حي من بني عدي بن كعب, وكانت مسلمة, وعمر بن الخطاب يعذبها لتترك الإسلام، وهو يومئذ مشرك وهو يضربها، حتى إذا ملَّ قال: إني أعتذر إليك, إني لم أتركك إلا عن ملالة فتقول: كذلك فعل الله بك, فابتاعها أبو بكر فأعتقها [2].
هكذا كان واهب الحريات، ومحرر العبيد، شيخ الإسلام الوقور، الذي عرف بين قومه بأنه يكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكل، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق، لم ينغمس في إثم في جاهليته، أليف مألوف, يسيل قلبه رقة ورحمة على الضعفاء، والأرقاء، أنفق جزءًا كبيرًا من ماله في شراء العبيد وأعتقهم لله، وفي الله، قبل أن تنزل التشريعات الإسلامية المحببة في العتق، والواعدة عليه أجزل الثواب [3].
كان المجتمع المكي يتندر بأبي بكر - رضي الله عنه - الذي يبذل هذا المال كله لهؤلاء المستضعفين, أما في نظر الصديق، فهؤلاء إخوانه في الدين الجديد، فكل واحد من هؤلاء لا يساوي عنده مشركي الأرض وطغاتها، وبهذه العناصر وغيرها تبنى دولة التوحيد، وتصنع حضارة الإسلام الرائدة والرائعة [4] , ولم يكن الصديق يقصد بعمله هذا محمدة، ولا جاهًا، ولا دنيا، وإنما كان يريد وجه الله ذا الجلال والإكرام، لقد قال له أبوه ذات يوم: «يا بني إني أراك تعتق رقابًا ضعافًا، فلو أنك إذ فعلت أعتقت رجالاً جلدًا يمنعونك، ويقومون دونك؟ فقال أبو بكر - رضي الله عنه -: يا أبت إني إنما أريد ما أريد لله عز وجل فلا عجب إذا كان الله سبحانه أنزل في شأن الصديق قرآنًا يتلى إلى يوم الدين، قال تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى - وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى - فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى - وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى - وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى - فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى - وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى - إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى - وَإِنَّ لَنَا لَلآَخِرَةَ وَالأُولَى - فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى - لاَ يَصْلاَهَا إِلاَّ الأشْقَى - الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى - وَسَيُجَنَّبُهَا الأتْقَى - الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى - وَمَا لأحَدٍ عِنْدَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى - إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأعْلَى - وَلَسَوْفَ يَرْضَى) [5] [الليل: [5] - 21].
كان هذا التكافل بين أفراد الجماعة الإسلامية الأولى, قمة من قمم الخير والعطاء، وأصبح

[1] انظر: السيرة النبوية لأبي شهبة (1/ 346).
[2] السيرة النبوية لابن هشام (1/ 393).
[3] انظر: السيرة النبوية لأبي شهبة (1/ 345).
[4] انظر: التربية القيادية (1/ 342).
[5] سيرة ابن هشام (1/ 319)، تفسير الآلوسي (30/ 152).
اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 152
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست