اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 150
وقد كان - رضي الله عنه - حريصًا على هداية الناس الآخرين فكيف بأقرب الناس إليه [1].
هـ- إن من أكثر الصحابة الذين تعرضوا لمحنة الأذى والفتنة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم, أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - نظرا لصحبته الخاصة له، والتصاقه به في المواطن التي كان يتعرض فيها للأذى من قومه، فينبري الصديق مدافعًا عنه وفاديًا إياه بنفسه، فيصيبه من أذى القوم وسفههم, هذا مع أن الصديق يعتبر من كبار رجال قريش المعروفين بالعقل والإحسان [2].
2 - بلال رضي الله عنه:
تضاعف أذى المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه, حتى وصل إلى ذروة العنف, وخاصة في معاملة المستضعفين من المسلمين، فنكلت بهم لتفتنهم عن عقيدتهم وإسلامهم، ولتجعلهم عبرة لغيرهم، ولتنفس عن حقدها, وغضبها, بما تصبه عليهم من العذاب.
قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: «أول من أظهر الإسلام سبعة، رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمار، وأمه سمية، وصهيب، وبلال، والمقداد، فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه أبي طالب، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدراع الحديد، وصهروهم في الشمس، فما منهم إنسان إلا وقد واتاهم على ما أرادوا إلا بلال، فإنه هانت عليه نفسه في الله وهان على قومه، فأعطوه الولدان, وأخذوا يطوفون به شعاب مكة، وهو يقول: أحد أحد» [3].
لم يكن لبلال - رضي الله عنه - ظهر يسنده، ولا عشيرة تحميه، ولا سيوف تذود عنه، ومثل هذا الإنسان في المجتمع الجاهلي المكي, يعادل رقمًا من الأرقام، فليس له دور في الحياة إلا أن يخدم ويطيع، ويباع ويشترى كالسائمة، أما أن يكون له رأي, أو يكون صاحب فكر، أو صاحب دعوة, أو صاحب قضية، فهذه جريمة شنعاء في المجتمع الجاهلي المكي تهز أركانه وتزلزل أقدامه، ولكن الدعوة الجديدة التي سارع لها الفتيان, وهم يتحدون تقاليد وأعراف آبائهم الكبار لامست قلب هذا العبد المرمي المنسي، فأخرجته إنسانًا جديدًا على الوجود [4] , فقد تفجرت معاني الإيمان في أعماقه بعد أن آمن بهذا الدين، وانضم إلى محمد صلى الله عليه وسلم وإخوانه في موكب الإيمان العظيم, وها هو الآن يتعرض للتعذيب من أجل عقيدته ودينه, فقصد وزير رسول الله صلى الله عليه وسلم الصديق, موقع التعذيب وفاوض أمية بن خلف وقال له: «ألا تتقي الله في هذا المسكين؟ حتى متى! قال: أنت الذي أفسدته فأنقذه مما ترى، فقال أبو بكر: أفعل، عندي غلام أسود أجلد منه وأقوى على دينك أعطيكه به، قال: قد قبلت، فقال: هو لك فأعطاه أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - غلامه ذلك وأخذه فاعتقه» [5]، وفي رواية: [1] انظر: محنة المسلمين في العهد المكي، ص79. [2] نفس المصدر، ص75. [3] مسند أحمد (1/ 404) بإسناد حسن. [4] انظر: التربية القيادية (1/ 136). [5] السيرة النبوية لابن هشام (1/ 394).
اسم الکتاب : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 150