ولنفسه، فاختار الغلام لنفسه ثوبا رخيصا خشنا ولأمير المؤمنين ثوبا غاليا ناعما، فلما أحضرهما إلى علي أخذ الثوب الرخيص لنفسه وأعطى الغلام الغالي وقال له: أنت أحق مني بأجودهما لأنك شاب تميل نفسك للتجمل، أما أنا فليس لي رغبة في التجمل. وتجادل مرة الصحابي أبو ذر مع أحد الزنوج واشتط به الغضب فقال له: يا ابن السوداء. فقال له النبي (ص): ((طف الصاع، طف الصاع، ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل إلا بالتقوى أو بعمل صالح)).
وقد ندم أبو ذر على فعلته وأثرت كلمات الرسول (ص) في نفسه، فألصق خده بالأرض وقال للأسود: قم فطأ على خدي)) [1].
وقال أبو مسعود البدري: كنت أضرب غلاما لي بالسوط فأتى النبي (ص) وقال:
((إن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام)) فقلت: لا أضرب مملوكا بعده أبدا)) [2].
وكان رسول الله (ص) يعدل صفوف أصحابه يوم بدر، فمر بسواد بن غزية وهو مستنتل من الصف، فطعن في بطنه بالقدح وقال: ((استو يا سواد)) فقال: يا رسول الله (ص) أوجعتني فأقدني، فكشف رسول الله (ص) عن بطنه وقال: ((استقد)) قال: فأعتنقه فقبل بطنه وقال: أردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك، فدعا له رسول الله (ص) [3].
ومهما كانت نية هذا الرجل فإن قصته توضح نموذج التعليم الإسلامي في المساواة، فالنبي (ص) استعد حتى يقتص منه أحد من أمته وقدم له جسده الشريف، تلك هي المساواة الحقيقية.
وكان المسلمون المخلصون يتحملون كل خسارة في تحقيق هذه المساواة وحمايتها، ولا يرضون بنقص في هذا المبدأ.
كان جبلة بن الأيهم أمير مملكة غسان نصرانيا، ودخل في الإسلام في عهد عمر فكان عمر يكرمه؛ وعرض له يوما أن كان يطوف بالكعبة فزاحمه أعرابي من العامة، [1] مع خلاف في البخاري 1/ 84 - الإيمان. [2] مسلم 3/ 1281. [3] ابن هشام 3/ 278، البداية والنهاية 3/ 271.