تنبؤ عن الروم والفرس وقريش والمؤمنين:
قال تعالى: {الم (*) غلبت الروم (*) في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون (*) في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون (*) بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم} (الروم: [1] - 5).
* المراد بالأرض أرض الميعاد فلسطين، وبأدنى الأرض منطقة الشام وآسيا الصغرى حيث هزم خسرو برويز الروم وأخرجهم من تلك البلاد ومن مصر. وكان كلام الله قد أخبر بأن الروم يغلبون الفرس في ظرف تسع سنين مرة أخرى.
وكان هذا التنبؤ في ذلك الزمان خلاف القياس والظن تماما، فإن التغلب على أمة غالبة عظيمة بعد تلك الهزيمة الكبرى في ظرف تسع سنوات كان مستحيلا في نظر أهل الدنيا، ومن هنا جعل أبي بن خلف هذه الآية معيارا لصدق القرآن الكريم، وكذبه، وأوعز لأبي بكر أن يراهن على ذلك لو كان مؤمنا بالقرآن. وكان هذا الحادث وقع في العام السابع من البعثة، وقبل أبو بكر هذا الرهان لأن النهي عنه لم يكن نزل بعد [1].
وبعد نزول الآية بسبع سنين وقع ما جاء فيها، فقد انتهت الحرب الأهلية والفوضى الداخلية بروما بتبوؤ هرقل عرش الحكم، فاستعاد البلاد التي فقدها الملوك السابقون، ودخلت مصر والشام وفلسطين وآسيا الصغرى تحت حوزة سلطنة القسطنطنية.
وكانت الكلمات القرآنية قد تضمنت بشارة في بشارة، وذلك أنها ذكرت أن المؤمنين أيضا يتمتعون بالنصر في ذلك الحين، وتحقق ذلك أيضا، فإن انتصار أهل الكتاب على المجوس وقع في الوقت الذي انتصر فيه أهل التوحيد على المشركين في وقعة بدر.
ومما يجدر بالذكر أن عبارة قرآنية قصيرة قد تنبأت عن أربعة أمم وأربعة بلاد ودولتين عظيمتين بألفاظ صريحة وبتحديد السنة، وتحقق ذلك التنبؤ كما ورد في الآية. فهل يقدر إنسان على ذلك بعلمه وقدرته؟ كلا.
وهذا يثبت بوضوح أن القرآن كلام الله عز وجل. [1] تفسير ابن جرير 11/ 11 تفسير سورة الروم.