وما كان سوى ذلك يود لو أن بينه وبينها أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد، والذي صدق قوله وأنجز وعده لا خلف لذلك فإنه يقول عز وجل {ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد}. فاتقوا الله في عاجل أمركم وآجله، في السر والعلانية، فإنه من يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا، ومن يتق الله فقد فاز فوزا عظيما، وإن تقوى الله يبيض الوجوه ويرضي الرب ويرفع الدرجة.
خذوا حظكم ولا تفرطوا في جب الله، قد علمكم الله كتابه ونهج لكم سبيله ليعلم الذين صدقوا ويعلم الكاذبين فأحسنوا كما أحسن الله إليكم وعادوا أعداء الله وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وسماكم المسلمين ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيى عن بينة ولا قوة إلا بالله فأكثروا ذكر الله واعملوا لما بعد اليوم، فإنه من يصلح ما بينه وبين الله يكفه الله ما بينه وبين الناس، ذلك بأن الله يقضي على الناس ولا يقضون عليه ويملك من الناس ولا يملكون منه. الله أكبر ولا قوة إلا بالله العظيم" [1].
دخول المدينة:
بعد صلاة الجمعة، دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - يثرب من ناحيتها الجنوبية، ومنذ ذلك اليوم صار اسمها "مدينة النبي" ويطلق عليها اختصارا "المدينة".
وكان لدخوله المدينة شأن عظيم. فكانت الشوارع والطرقات تصدح بكلمات التحميد والتقديس، وراح الرجال والنساء والشيوخ والشباب يرنون بعيونهم إلى بهاء "نور الله" وقد فهم أهل الكتاب بعدما رأوا عظمة وجلال قدوم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ذلك هو تفسير ما ورد في كتاب النبي حبقوق (الأصحاح 3: 4)
"الله جاء من تيمان والقدوس، من جبل فاران [2] جلاله غطى السماوات والأرض [1] تاريخ الطبري 2/ 255. [2] أطلق على مكة في جميع أسفار الإنجيل اسم " فاران" لأن هذا المكان كان تحت سيطرة فاران بن عوف ابن حمير، وجاء في سفر التكوين (التوراة) [الإصحاح 21، (*) أن إسماعيل سكن في برية فاران، ويثبت من آيات القرآن الكريم أن إبراهيم وإسماعيل قد بنيا في هذه البرية مسجدا يعرف الآن باسم "الكعبة" فالتوراة والقرآن يصدق بعضه بعضا ويثبتا أن فاران هو اسم مكة. وقد ورد ذكر فاران في التوراة، سفر العدد [الإصحاح 1: 12، (**) والتثنيه (الأصحاح 33: 3) (...) وكل هذه المصادر تثبت صراحة أن فاران اسم مكة.
(*) وسكن في البرية وكان ينمو رامي قوس وسكن في برية فاران. =