3 - والفريق الثالث حاول الجمع بين القولين فقال: إن الرضا في بدايته كسبي ومن جملة المقامات، وفي نهايته مجرد عطية ربانية ومن جملة الأحوال.
ودليل الفريق الأول أن الله تعالى مدح أهل الرضا وأثنى عليهم ورغبهم فيه، فلو لم يكن هذا المقام كسبيا وكان خارجا عن مقدور البشر لما فعل ذلك. قال النبي (ص):
((ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا)) [1].
وقال أيضا:
((من قال بعد ما سمع الأذان، رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا، غفرت ذنوبه)) [2].
وهذان الحديثان من النصوص التي تتوقف عليها مقامات الدين، والتأمل فيهما يؤدي إلى ثبوت ما يأتي:
أ - الرضا بألوهية الله وبربوبيته.
ب - والرضا برسالة النبي (ص) وبإطاعته.
ج - والرضا بدين الله.
د - والاعتراف والتسليم بدين الله والانقياد له.
ويمكن أن نقول: إن من اجتمعت فيه هذه الأمور الأربعة فهو صديق.
نعم، إن الادعاء باللسان سهل، ولكن النجاح في الاختبار صعب، وخاصة إذا كان هوى النفس يتعارض مع ما يردده اللسان.
وليعلم أن معنى الرضا بالألوهية هو أن يتحقق التوحيد في الحب والإنابة والتبتل إلى الله. فإن خاف العبد خاف الله وحده، وإن رجا رجا منه وحده، وتنجذب إليه قواه الكلية، ويكون قصد عبادته هو التوحيد في الإخلاص.
ومعنى الرضا بالربوبية أن يتحقق التوحيد في تدبير الله وفي التوكل والاعتماد والاستعانة، ويتقبل العبد كل فعل من أفعال الله برضا وسرور. [1] مسلم 1/ 62، مسند أحمد 1/ 208. [2] مسلم 1/ 290.