4 - والشوق مركبي: لم يرد لفظ الشوق في القرآن الكريم واستعمل مكانه لفظ اللقاء.
ولعل السبب في ذلك تساؤل علماء الأدب عن الشوق هل يبقى بعد حصول الرؤية أم لا؟ يرى البعض: أن الشوق يطلق على السفر الذي يأخذ المحب إلى الحبيب، فإذا وصل المحب إلى الهدف المنشود فلابد أن ينتهي السفر من تلقاء نفسه.
إلا أن هذا اللفظ ورد في الحديث الشريف، كما رأينا في الحديث الذي نحن بصدده، وكذلك في حديث صحيح آخر:
((أسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك)) [1].
وجعل الشوق في الحديث الذي نشرحه مركبا، وهذا يعني أن الشوق أثر من آثار الحب، ودرجته أقل من الحب لأن الشوق متولد عنه.
فالشوق جذوة تدفئ القلب، وشرارة تنبعث من القلب. والشوق يجعل الأعضاء والجوارح تنقاد للأعمال وتداوم عليها، وهو الذي يجعل نعم الآخرة أكثر قربا من نعم الدنيا، ويحمل العجزة على السعي المتواصل، وهو الذي يسبر أعماق المغارات، ويرتقي إلى قمم الجبال. وهو الذي ينور طريق الحب الصادق، ولا يترك سالك طريق الحب يستريح قبل الوصول إلى الغاية.
وينبغي أن نتذكر أن مقدار الشوق مبني على مقدار الحب، فيستحيل أن يكثر الحب ويقل الشوق، أو يقل الحب ويكثر الشوق.
فالحق أن السالك ليس له مركب فوق الشوق.
والشوق هو المركب الذي يعبر العقبات، ويجتاز جسر الاختبار الصعب بسهولة ونجاح ثم يصل إلى جنة اللقاء، فطوبى للمشتاقين، وطوبى للمحبين.
5 - ذكر الله أنسي: يقول الإمام ابن القيم: [2].
منزلة الذكر هي منزلة القوم الكبرى التي منها يتزودون، والذكر منشور الولاية الذي من أعطيه اتصل، ومن منعه عزل، وهو قوت قلوب القوم، الذي متى فارقها صارت الأجساد لها قبورا، وهو سلاحهم الذي يقاتلون به قطاع الطريق، ومأواهم الذي [1] منسد أحمد 5/ 191، والنسائي 3/ 55. [2] مدارج السالكين 423/ 2.