هذا اللبن؟)) قالوا: أهداه لك فلان، قال: ((أبا هر! الحق إلى أهل الصفة فادعهم لي)) قال: وأهل الصفة أضياف الإسلام، لا يأوون على أهل ولا مال ولا على أخد، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا، وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها، فساءني ذلك، فقلت وما هذا اللبن في أهل الصفة، كتت أحق أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها، فإذا جاءوا أمرني فكنت أنا أعطيهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن، ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله به، فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا وأخذوا مجالسهم من البيت، قال: ((يا أبا هر خذ فأعطهم)) فأخذت القدح فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد على القدح فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ثم يرد علي القدح حتى انتهيت إلى النبي (ص) وقد روى القوم كلهم، فأخذ القدح فوضعه على يده، فنظر إلي فتبسم فقال: ((أبا هر بقيت أنا وأنت)) قلت: صدقت يا رسول الله، قال: ((اقعد فاشرب)) فقعدت فشربت، فقال: ((اشرب)) فشربت، فما زال يقول: ((اشرب)) حتى قلت: لا والذي بعثك بالحق ما أجد له ممسكا. قال: ((فأرني)) فأعطيته القدح فحمد الله وسمى وشرب الفضلة)) [1].
وهذا حديث واحد ولكنه جمع عدة آيات وعلامات للنبوة كأن أنهار اللبن تجري.
* لا يوجد في بيت سيد العالمين أثر من الغذاء الجسمي.
* والهدية التي أهديت له (ص) ليست إلا قدح لبن لا تكفي إلا ما يشبع رجلا واحدا.
* والرسول يدعو على هذا القدر اليسير أصحاب الصفة جميعا الذين ضحوا في سبيل الدين بأهلهم، ومالهم، وأعرضوا عن ثروة الدنيا إلى المدرسة النبوية. إن ذلك مظهر بارز من مظاهر الخلق المحمدي (ص).
* ومن آيات النبوة في هذا الواقع أن كل فرد شبع بهذا اللبن وبقى اللبن في القدح كما كان حتى أن أبا هريرة حلف للنبي (ص) بأنه لم يبق في بطنه موضع لمزيد من اللبن.
* وهل يظن أحد أن عددا أكبر كان يمكنه أن يأتي على اللبن؟
كلا، لو كانوا مائة ألف أو مليونا لشبعوا جميعا. إن القدرة على تفريغ القدح كان بإمكان من كفى اللبن ببركته ويمنه الجميع. [1] البخاري 6452.