إن السحر تعطيل العين وتحويلها، والساحر يؤثر بقوة السحر في مخيلة المشاهدين وعيونهم، فهم يرون الأشياء على خلاف حقيقتها، ولكن يحدث هذا التغير في عيون الناظرين ومخيلتهم، أما الأشياء فتبقى على أصلها، وأقرب مثال للسحر على من ظنه حية فخاف منه الشخص في الظلام الحبل فيظنه حية، وبهذا الظن تطرأ عليه آثار الخوف والذعر وكأنه رأى حية حقيقية، والواقع أن الحبل حبل، وليس له تأثير.
أما معجزات الأنبياء فهي معجزات حقيقية وأصلية، وبذلك يسمو النبي على الساحر فهو أطهر منه وأزكى.
وقصة سحرة موسى موجودة في القرآن، ويبدو أنهم كانوا مهرة في فنهم، ولذا قال الله فيهم: {وجاءوا بسحر عظيم} (الأعراف: 116).
ولنعلم الآن ماذا كان ذلك السحر العظيم؟
{فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى} (طه: 66).
ومن نتيجة هذا السحر أنهم {واسترهبوهم} (الأعراف: 116). أي خوفوهم.
وهذا هو غاية ما يستطيع الساحر الوصول إليه، إنه يعرض عليهم فنه حتى يخوفهم.
وهنا أمر الله تعالى موسى أن يلقي عصاه فإذا هي ثعبان يلقف ما أفكوا، ولو كانت حقيقة معجزة موسى مجرد تحول العصا إلى ثعبان في أعين السحرة فقط، لأثرت في قلوب السحرة مثل ما أثرت في قلب فرعون كما حكى عنه تعالى قوله: {إنه لكبيركم الذي علمكم السحر} (طه: 71).
ولكن السحرة أدركوا فورا أن عمل موسى فوق السحر وذلك أنهم رأوا أن مئات الحبال والعصي فقدت حقيقتها وتيقنوا أن مشهد لقف ثعبان موسى للحبال والعصي لم يكن تخييلا بل حقيقة وصدقا.
وبعد إدراك هذه الحقيقة تاب السحرة فورا، وآمنوا بموسى، ولم يخافوا - بعد معرفتهم للحقيقة - صلب فرعون لهم، ولا قطعه أيديهم وأرجلهم ولم يمتنعوا عن الإسلام.
انظروا إلى رحمة الله تعالى، إن السحرة حينما جاءوا لمبارزة موسى كانوا مخذولين مقهورين عند الله تعالى، وبعد قليل صاروا لديه من المحبوبين والمنصورين.