والحاصل أن استعمال لفظ ((العالم)) يعم المخلوق المادي والذهني، والعالمين جميع العالم، وهي تحيط بجميع العوالم.
والآن تأملوا وتفكروا في ذلك الشخص المقدس الذي يحب الجميع ويرثى لهم ويواسيهم، ومحبته عامة، يلبي حاجة الجميع بتعليمه، ويغلب بحقائقه على جميع الوساوس، ويضفى فيوضه على الماديات والمعنويات والتصورات والتصديقات، فيقومها ويصدقها.
إن رب العالمين بوصفه محمدا (ص) ((رحمة للعالمين)) قد أظهر أن تعليم النبي (ص) عام للجميع ونافع، وأنه ليس هناك شيء يستغتى عن رحمته (ص)، كما أن ألوهية الرب عامة، ولا يستغنى شيء عن ربوبيته.
قد يسهل على الأحمق أن يقول إنه لا يحتاج إلى الشمس وحرارتها، ولكن عالما صاحب فكر يصعب عليه أن يقول أنه لا يحتاج إلى تعليم النبي (ص) البتة.
ولينظر إلى العالم وأممه كيف اقتبست هذه الأمم المختلفة بعد النبوة المحمدية من تعليم النبي (ص) مباشرة أو بواسطة، وكيف أنها تمتعت بهذه الثروة بعد تغيير أوضاعها؟ انظروا سيرة الرسول (ص)، وحاولوا فهم معنى كونه رحمة للعالمين من سيرته:
1 - إن ((رحمة للعالمين)) هو الذي رأى حرب الفجار حين كان عمره أربع عشرة أو خمس عشرة سنة، فكره منذ ذلك الوقت هجوم قوم على قوم وسخط إنسان على إنسان.
2 - وهو الذي أوجب بفطرته السليمة وطبعه الطيب أحكام حلف الفضول [1] وتسهيل الاستغاثة للمظلومين والمضطهدين وحماية الغرباء وإعانة البائسين.
3 - وهو الذي علم طريقة تحويل العدو إلى الصديق:
{ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} (فصلت: 34).
4 - وهو الذي منع المؤمنين من الانتقام من الأعداء الذين بالغوا في العداء، وحرموه [1] انعقد حلف الفضول في مكة المكرمة، وكان أعضاؤه يحلفون على نصر المظلومين ومنع النساء واليتامى والقضاء على القتل والنهب. وقد دعا إلى هذا الحلف ثلاثة من أشراف العرب اسم كل واحد منهم فضل، فسمى بحلف الفضول، انظر البداية (2/ 291)، ابن سعد (128/ 1).