ولما كلف موسى عليه السلام بعبء النبوة دعا:
{واجعل لي وزيرا من أهلي (*) هارون أخي} [1].
ومنه يظهر أن أداء فرائض النبوة لم يكن سهلا، ولذا دعا موسى الله في اليوم الأول من نبوته بأن يجعل له وزيرا، ولكن النبي (ص) دخل في هذا الميدان وحيدا، وغمر الكون مثل الشمس بنوره الساطع، إنه (ص) لم ينظر إلى كثرة النجوم ولا إلى الظلمة السائدة، بل رفع وحده راية التوحيد والتبليغ، وبعد هذا الإيثار والتضحية والطاعة تولى الله تعالى نصره وخفف وزره.
والموازرة في لغة العرب تعني المعاونة، وازرت فلانا موازرة أي أعنته على أمره.
فما كان ذلك الوزر؟ تعددت أقوال المفسرين في ذلك، ولابد أن يرجح بعضها على بعض، انظروا بدقة إلى ترتيب الكلام، إن هذه الآية وقعت بين آيتي {ألم نشرح لك صدرك} و {رفعنا لك ذكرك} ولذا فمن المعقول أن يكون زمن هذه الآية بين الحالتين.
والآيات التالية توضح معنى هذا الوزر:
1 - {لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين} [2].
2 - {فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون} [3].
إن التزام أهل الضلال بالكفر، وجمودهم على الشرك، ورفضهم للنظر في الدلائل السمعية والبراهين المرئية، وإصرارهم على تقليد الآباء، وفرارهم من تحقيق الحق، وكثرة الفواحش، وانتشار الأباطيل، وفقدان الإنسانية، وطغيان الوحشية، كل ذلك كان ثقيلا على سمع النبي (ص) وبصره، وكان قلبه يتألم كثيرا من جراء تلطخ قومه بمثل هذه النجاسات.
وبعون من الله تعالى بدأت تعاليم النبي (ص) تنتشر، وتنقشع سحب الكفر والضلال، فقد بعث الله تعالى من أقطار البلاد أناسا صالحين جاءوا إلى رسوله (ص)، فصاروا السابقين الأولين في الإسلام، ولم يحصلوا على الغذاء الروحي لأنفسهم فقط، [1] سورة طه: 29 - 30. [2] سورة الشعراء: 3. [3] سورة يس: 76.