إسلام عمر الفاروق رضي الله عنه:
بعد إسلام حمزة رضي الله عنه بثلاثة أيام، أسلم عمر بن الخطاب وكان رجلا شجاعا قويا، وكان سفير قريش إلى البلدان الخارجية واعتمادا على شجاعته خرج من بيته عاقدا العزم على قتل النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد حمل جميع أسلحته، وفي الطريق عرف أن أخته وزوجها ابن عمه قد أسلما [1]، فاتجه من فوره إلى بيت أخته، فضربهما ضربا مبرحا فقالت له أخته فاطمة: يا عمر اسمع أولا الكتاب الذي آمنا به بعد أن سمعناه، فإن لم يعجبك فاقتلنا - قال عمر: "طيب" في ذلك الوقت كان في البيت أحد صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - اختفى بعد مجيء عمر، فقرأ الركوع الأول [2] من سورة طه، وظل عمر ينصت إلى القرآن الكريم، ثم انخرط باكيا ولم يتمالك نفسه، وهكذا آمن عمر منذ ذلك الوقت بالنبي وبالقرآن الذي أنزل عليه، وصار من خرج يريد قتل النبي هو أكثر الناس اعتزازا بفداء النبي والدين الحنيف، وأطلق عليه فيما بعد لقب "الفاروق". وكان المسلمون حتى ذلك الوقت يصلون خفية في بيوتهم فصاروا الآن يصلون في الكعبة، ورأى الكفار حال المسلمين فازدادوا غضبا وعيظا وبدأوا في إيذاء المسلمين إيذاء شديدا، كما تعرضوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - بالأذى والسب والشتم.
حصار النبي مع عشيرته في شعب أبي طالب لثلاث سنوات:
حين رأى الكفار أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثابت على دعوته، وأن نشاطه مستمر بشجاعة لا نظير لها وعزيمة لا تلين، اتفقوا في السنة السابعة من البعثة النبوية على أن يقاطعوا بني هاشم قبيلة النبي - صلى الله عليه وسلم - رغم أنها لم تسلم، ولم تساند النبي - صلى الله عليه وسلم - على ألا يناكحوهم ولا يبيعوهم ولا يشتروا منهم شيئا [3].
وعقدت معاهدة بذلك وعلقت على الكعبة.
وبقى النبي - صلى الله عليه وسلم - وعشيرته محاصرين محبوسين في الشعب وقطعت عنهم قريش إمدادات الغذاء، ووصل الجوع بأطفال بني هاشم لدرجة أن صوت بكائهم سمع من وراء الشعب [4]. [1] أخته فاطمة بنت الخطاب وزوجها سعيد بن زيد. [2] صدر سورة طه. [3] زاد المعاد. المجلد الأول [ص:299]. [4] زاد المعاد. المجلد الأول [ص:299].