{يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله} (سورة البقرة: 165).
وليعلم أن هدفي بل وهدف جميع العلماء من تأليف السيرة النبوية هو أن ينال قلب القارئ الإيمان، وينال فؤاده اليقين وتنال روحه الراحة، وصدره الإنشراح. وأن يفوز بعبق الحب الطاهر الذي كان قد تجمد لغثاء العلائق، أو تعثر أمام صخور الجهل، فينطلق كالنافورة عاليا ضاربا الأمواج مطاولا السماء رفعة.
إن الحب يدفع اليأس بعيدا ويواجه المصائب بسرور، وهو حياة للقلب ونجاح للحياة، به يتكلل الفوز بالبقاء، ثم يتبوأ هذا البقاء عرش الارتقاء.
إن الحب صفة قال عنها النبي - صلى الله عليه وسلم -:
" المرء مع من أحب " [1].
ذكرنا آنفا أن المحبة تقوم على أساس فضيلة سامية. فمئات الألوف من الناس يحبون حاتما الطائي، لا لأنهم قد وجدوا من ماله نصيبا بل لأنهم يحبون فيه صفة الجود والسخاء. ومئات الألوف من الناس يحبون أنوشيروان العادل، لا لأنه قد أغاثهم في مظلمة أو حكم لهم في قضية، بل لأنهم يحبون فيه صفة العدل والإغاثة.
ومئات الألوف من الناس يتحمسون لقراءة قصص رستم وأسفنديار وينتشون لسماعها، لا لأنهم شاركوهم انتصاراتهم بل لأنهم يحبون فيهم صفة الفتوة والشجاعة. وعشرات الناس يذكرون سقراط وأفلاطون بحب وحنين، لا لأنهم تلقوا دروسا في مدرستهما الخاصة التي لم تزل أبوابها مغلقة دون عامة الناس، بل لأنهم يقدرون العلم، ويحبون الحكمة.
وعشرات الناس يبذلون أقصى قدرتهم الكلامية لبيان فصاحة شكسبير وهومر والفردوسي والسعدي والمتنبي وبياس ووالميك ووصف بلاغتهم، لا لأن لهم فضلا في نشر صيتهم بل لأنهم يشتاقون إلى الاطلاع على أسرار الطبيعة البشرية، فيحبون الثناء على كل من يتصل بهذا الفن.
أما الشخصية التي نتحدث هنا عن حبها فهي عظيمة ولكم أن تتصوروا قدر عظمتها هنا: [1] أخرجه البخاري عن أبي موسى في باب علامة الحب ضمن كتاب البر والصلة.